رسام ومصصمم ونحات من مواليد حيفا عام 1942. نظم أول معرض له عام 1962 في تل أبيب وهو ما يزال في العشرين من عمره. وقد كان أول عربي ينضم لمنظمة الرسامين والنحاتين في حيفا في نفس العام. تابع دراسته الأكاديمية للفنون عام 1964 ضمن بعثة للحزب الشيوعي الى شرق اوروبا حيث درس التصميم الغرافيّ، الجداريات، النحت البيئيّ والفنّ في درزدن في جمهورية ألمانيا الديمقراطيّة. مكث عابدي في ألمانيا سبع سنوات حتى أنهى اللقب الثاني وسنة تخصص هناك. في الكلية العليا للفنون التقى بمن ستصبح معلّمته ومصدر إيحاء هامّ له، الفنّانة اليهودية ليئا غرونديغ التي سطع اسمها في الرسم الاحتجاجي ضد الفاشية والنازية. في تلك السنوات تأثّر عابدي بفنّانين ألمان مثل غيرهرد كتنر وغيرهرد هولبك. وكما تشير طال بن تسفي في “عبد عابدي: خمسون عاماً من الابداع”:
“في الأعمال التي أنتجها عابدي خلال سنواته السبع في درزدن يمكن أن نلاحظ بوضوح آثار توجه مثابر من حيث الموضوع والأسلوب الفنّي، حيث تمحورت في شخصيات لاجئين ونُفذت بأسلوب واقعيّ اجتماعي وبوسائل فنية غرافية مثل رسومات، طباعة، حجر ونقش ترافقها نصوص سياسية وأدبية تتناول مسائل العدالة والأخلاق. تأثّر هذا التوجه إلى حدّ كبير بالرؤيا السياسية-الاجتماعية التي تبنّاها عابدي منذ شبابه حين انصم إلى الحزب الشيوعي لكنها رفدت أيضاً من خلال فناني التيار الواقعي الاجتماعي في الفن الإسرائيلي. لكن هذه الخيارات نضجت في درزدن بإيحاء من أعمال فنانتين: فنانة الطباعة الرسامة والنحاتة كيتا كولفيتش التي خصصت عملها الفني لتقديم أوصاف متعاطفة من المعاناة الكونية الناجمة عن العيش في معاناة، استغلال وغبن ومن أحداث تاريخية ثورية: والرسامة وفنانة الطباعة ليئا غرونديغ. بالإضافة إلى تجسيد معاناة الطبقة العاملة، اتّسمت أعمال غروندغ ببصمة فظائع الحرب العالمية الثانية حيث تتمحور الأيقونوغرافيا التي أنتجتها في مسائل كاللجوء، التهجير، الناجين وغيرها. يظهر تأثير أعمال غروندغ العميق جدًا في تطوّر أعمال عابدي، كفنّان خلال تعليمه وعبر بلورة أيقونوغرافيّة اللجوء عمومًا وأيقونوغرافيّة النكبة خصوصًا في أعماله.”
بعد أن عاد عبد عابدي الى مسقط رأسه حيفا، أصبح من البراعم الاولى للعمل في هذا المجال لا سيما وأن نشاط الفنانين الفلسطينيين داخل إسرائيل لم يبدأ سوى بمرحلة متأخرة نسبياً، ذلك نتيجة للنكبة الفلسطينية والحياة تحت ظل الحكم العسكري. بمرور السنين، تحوّل عابدي إلى أحد رواد وأركان تطوّر الفنّ الفلسطيني المعاصر لدى الأقلية الفلسطينية في إسرائيل.
بالتعاون مع الفنان غرشون كنيسبيل، صمم عابدي النصب التذكاري لشهداء يوم الارض، وهو النصب التذكاري الاول بهذه المقاييس على مستوى الداخل الفلسطيني، والذي شيد عام 1978 في سخنين. وقد بات هذا النصب التذكاري يعتبر كإحدى نقاط التحوّل في الحضور الفلسطيني داخل الحيّز العام في إسرائيل خاصة فيما يتعلق ببلورة الذاكرة الجماعية القومية عمومًا، والذاكرة البصرية خصوصًا لدى الأقلية الفلسطينية. يذكر بأن النصب التذكاري مبنيّ بشكل تابوت حجريّ رخاميّ مستطيل نُقشت عليه عناصر لوجوه وزخرفات، كتلك التي تميّز فنون الدفن اليونانية والرومانية. في كتالوج قصة النصب التذكاري كتب عابدي يقول: “..قد يكون عملنا المشترك، الزميل غرشون كنيسبل وأنا، تجسيمًا لفكرة التعاون الخلاق بين أبناء الشعبين من أجل أن لا تتكرر المأساة وأن يكون عمل الحاضر – هذا الحاضر الذي نتمنّى أن يسلم المستقبل أنصابًا للسلام ولتواجدنا المشترك على هذه الأرض “.
منذ ذلك الحين شيد عبد عابدي عدة نصوب تذكارية وجداريات في البلاد كما وأقام نصب تذكاري في حديقة المتحف الوطني في عمان. لكن عدا عن تصميم النصب التذكارية والجداريات فقد خاص عابدي مجالات عديدة أخرى حيث تنوعت أعماله ما بين الرسم، التخطيط، الطباعة، النحت والتصميم الغرافي. ويشير الفنان كمال بلاطة في هذا السياق: “كما رسم الفنان ريفيرا الصور الزيتية الجدارية، ليصل إلى الأكثرية الساحقة من الشعب المكسيكي، كذلك اختار عبد عابدي الفن التخطيطي، حيث يمكن طباعة قطع الأعمال الأصلية وتوزيعها بأثمان زهيدة إلى أكبر عدد من الجمهور، إنه فنان من الشعب ويرسم للشعب، عبد عابدي لا يرسم مأساة 1948 فقط، إنه يغني فلسطين في خطوط عفوية دقيقة الاستدارة، ينشر التفاؤل أبيض كالثلج تحت الخطوط السوداء المنقوشة..”.
عمل عابدي مصمّماً لعددٍ من المنشورات العربيّة منها صحيفة “الاتحاد” ومجلّة “الجديد” كما رسم العديد من الرسوم الكاريكاتورية، التي نشرت معظمها في صحيفة “الاتحاد” في حيفا ما بين السنوات 1972 – 1981. في تلك السنوات وما بعدها، زيّنت العديد من رسوماته إصدارات مبدعين مثل إميل حبيبي، أنطون شماس، محمد علي طه، سلمان ناطور، سميح القاسم وغيرهم. إلى جانب الأعمال الملفتة التي رافقت نصوص اميل حبيبي (ك”بوابة مندلبوام”، “المتشائل” وغيرها)، كانت سلسة رسوماته لقصص سلمان ناطور القصيرة “وما نسينا” بمثابة درة التاج في تعاطيه الصريح مع النكبة (احدى هذه الرسومات كانت بورتريه لوالده قاسم عابدي). وربما تجدر الاشارة هنا بأنه قام بتصميم لوحة الغلاف لكتاب “خواطر زمنية” الذي أعده شقيقه ديب عابدي (صدر عام 1993 بعد وفاة مؤلفه)، والذي يسرد بالتفصيل سيرة حياة العائلة التي عاشت تجربة اللجوء بعد تهجير حيفا في نيسان 1948.
يشهد عابدي على التأثير المتبادل وعلاقات التفاعل الفنّي المتبادلة في السبعينيات والثمانينيات مع فنّانين فلسطينيين من أبناء جيله، سكّان الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين نالوا تحصيلهم في مدارس الفنون في العالم العربي ومن بينهم: نبيل عناني، تيسير بركات، إبراهيم سابا، عصام بدر، فيرا تماري، تهاني شكيك، طالب دويك، كمال المغني، فتحي الغبن وسليمان منصور الذي كان أبرزهم (والذي تعلم في “بيتسلئيل” خلافاً للبقية). إلى جانب هؤلاء تعرف عابدي أيضاً على أعمال فنانين أنتجوا في الشتات الفلسطيني كناجي العلي، ابراهيم هزيمة، تمام الأكحل وكمال بلاطة. وقد كان للفنان الفلسطيني الهام اسماعيل شموط تأثيراً على هؤلاء الفنانين عامةً، ومن ضمن ذلك، على أعمال عبد عابدي خاصة في كل ما يتعلق بصورة اللاجئين الفلسطينيين.
جرت مع امك واخوتك في النكبه إلى لبنان ومن هناك إلى دمشق وسمح لكم بالعودة في إطار لم الشمل عام 1951. الكثير من أعمالك على مدى “خمسون عاماً من الإبداع” تتناول مواضيع الطفولة والنكبة واللجوء- عملياً كان من الممكن ان تكون اليوم لاجئاً؟
سؤالك مثير لأنه كان من الوارد بأن لا نرجع، فهنالك صدف غريبة عجيبة. من الحظ بأن والدي، قاسم عابدي، بالغريزة الإنسانية العادية الموجودة لديه، كان قلق من خروجنا من حيفا بعائلات كاملة. هو بقي في حيفا لأنه، ربما، كان أذكى منا جميعاً. شاء القدر بأن الذي ساعده في مشروع ترتيب الاوراق للم الشمل هم بعض الاشخاص اليهود، أحدهم حاييم شبيط الذي كان يتاجر معه في الخيل. الرجوع لم يكن خطوة عادية طبعاً، واتضح لي فيما بعد بان ذلك كان بسبب ضغط من الأمم المتحدة للم شمل العائلات وليس لطيبة قلب الحكومة الإسرائيلية. رجعت إلى حيفا وقد كان عمري 8 -8 ونصف العام. تبقى الغصة بأنه لم يتبق إلا القليل من العائلات العريقة في حيفا. مؤخرا بدأت أدرك بأنني من القلائل الباقين من السلالات العريقة الحيفاوية الأصل (جده كان رئيس بلدية حيفا بسنوات 1922-1928). هذا يترك أثره، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أعمالي الفنية. ابن اختي الذي يراسلني عن طريق الانترنت، أرسل لي شهادة المعونة التي كانت تعطى للاجئين الفلسطينيين. عائلتنا كانت تحصل على المعونة من قبل الشؤون الإجتماعية السورية. لدي وثيقة بانني من أفراد عائلة (5 أنفار) حصلت على الرعاية التي أعطتها سوريا التي بدأت تتحرر من الإستعمار آنذاك في عامي 55-54. في كثير من الأعمال بالسنوات الأخيرة، استعمل أكياس الخيش كوسيلة تعبيرية عن الحالة التي عشتها في مخيمات اللاجئين، ابتداءاً من المية ومية في لبنان والكرنتينا في بيروت إلى اللجوء في دمشق حيث سكنا في جامع مهجور موجود حتى اليوم في حي إسمه الشاغور. سكنت هناك بعض العائلات إلى حين نخصيص قطعة أرض لبناء مساكن ثابتة في المجمع الأكبر في العالم العربي- الا وهو مخيم اليرموك.
مأساة أخرى حلت باليرموك منذ ذلك الحين
ماذا عن الجمهور اليهودي؟ سعيت كذلك لاستقطابه؟
أسعى للحوار ولكن ليس فقط لأجل الحوار. كوني حيفاوي، أعتقد بان من حل بهذه المدينة يجب أن يعرف- واذا لم اترك له المجال لذلك فأنا اسيئ للدور الذي يجب أن اقوم به. كل الجاليات والهجرات التي وصلت لحيفا من أوروبا والإتحاد السوفييتي سابقاُ يجب أن تعرف. هذا لا يعني بأن السكان العرب في حيفا لا يعانون من تمييز عنصري واضح يعود القسم الأكبر منه إلى توجه مؤسسات الدولة بحق الجماهير العربية ككل وخاصةً بحق سكان المدن المختلطة. السياسة التعسفية والعنصرية لم تبتعد عن جماهير حيفا كونهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. البارحة رافقت زوجتي الهنغارية الى المطار، ورأيت كيف أراد رجل الأمن بأن يسألني كل الوقت إن كنت عربياً ولكنه أحرج، على ما يبدو، لتواجد زوجتي.
في 1995 طالبت بتكريم شخصية من قبل بلدية حيفا، وكان الجواب آنذاك بأن البلدية لا تعترف بمكانة هذا الرجل ورفضوا طلبي تسمية شارع على إسمه. بما أننا نتحدث عن ديناميكا متواصلة، لا يمكن بالحالة هذه ترك المجال وإتباع سياسة التحريم وعدم المشاركة كوني جزأ لا يتجزأ من هذه المدينة. بإصرار مستمر وصلنا لوضع اضطرت فيه البلدية الى الاعتراف بمكانة هذه الرجل وقررت إطلاق اسم مدرسة على إسمه- مدرسة عبد الرحمن الحاج- وكان ذلك في عام 1998 خلال رئاسة عمرام متسناع للبلدية.
هذه المدينة يجب أن تكون مدينة مشتركة والعرب في حيفا ليسوا ضيوفاً، وحيفا كذلك “أم الغريب”، وبإمكانها أن تستوعب جاليات مختلفة ونزعات واضحة في جو إسرائيلي يميني حيث يجب التحكم، على الأقل، بمسؤولية موضوعية.