احكي انا كيف دخلت عالم الفن.
“كل حياتي وأنا أرسم”. كنت أرسم منذ المرحلة الابتدائية لكن الغريب بأنني رسمت نفس اللوحة منذ الصف الرابع حتى الصف السابع: خيمة وبعض البدو الذين يجلسون بداخلها، وهناك حصان وجمل خارج وأربع او خمس شجرات سرو وجبال وأخضر بأخضر. لسنين كنت أرسم هذا المنظر لي ولغيري من الطلاب بالصف. بعد سنين طويلة عندما درست في بئر السبع طلبت من الطالبات رسم بيئتهم الطبيعية فقمن جميعهن برسم مناظر طبيعية وكأنها من سويسرا مع أنه لم يكن هناك غير الصحراء من حولهن! لكنني اكتشفت كذلك بأن الخيمة التي رسمتها من الطبيعي بأن تكون بالنقب وليس بالجليل، وهكذا بدأت استوعب بأن الرسم من الممكن أن يكون فلسفياً. هناك أهمية برأيي لأن يدرك الرسام ما يقوم برسمه. الكثير من الرسامين يرسمون والسلام، كما رسمت بصف السابع، دون أن يدركوا ما يقومون به. المنظر الذي رسمته آنذاك هو عملياً خلاصة لماذا نصنع فناً.
في الثانوية انتقلت لمدرسة يهودية في كريات آتا، وكانت هناك دورات تقوية أو دورات ترفيهية بعد ساعات التعليم، وعندما كانت تسنح لي الفرصة، لا سيما وأنه لم تكن هناك خطوط باصات منتظمة، كنت أشارك بدورة الرسم. المعلمة الهنغارية كانت تضع أمامنا ابريقاً او فنجاناً او تفاحاً وتطلب منا رسمها. الرسم لم يعد كما كنت أعتقد حتى ذلك الحين- أن تبدع وتخلق من ذاكرتك وفطنتك حالة من الأشكال والألوان، إنما ايضاً اكتشاف للقدرات التقنية والتنسيق بين ما أراه وما تقوم به يداي. تعلمت بأن هناك قوانين أيضاً. هذه أمور جوهرية فتحت لدي العديد من الأسئلة ففجأة وجدت نفسي أرسم من خلال المحاكاة، احاول أن احاكي الطبيعة لا أن أخلق من مخيلتي. عندما رسمت شجرة السرو كان لها شكل معين تكرر مئات المرات وكأنها حالة مطلقة. بينما بحسب طريقة المدرسة بكريات آتا لو رسمت الشجرة وذهبت لشجرة أخرى لاكتشفت بأنها لا تشبهها. دورة الرسم هذه، على فكرة، كشفت لي أيضاً عالماً جديداً لم أكن أعرف عنه شيئاً وهو تاريخ الفن، وهو مجال مهم جداً كذلك. احدى مشاكل الفنانين الصغار بأنهم بمعظمهم لا يريدون معرفة تاريخ الفن.
عندما كنت في الجامعة، قال لي استاذ الرسم اذهب الى القرية وانظر الى الالوان والاشكال، اذهب لبيت اهلك، انتبه للأغراض الموجودة في البيت، مما صنعت، الوانها وأشكالها، وحاول أن تستنبط من هناك من أين تأتي. قلت له حينها بأنني عندما سافرت الى المدرسة بكريات آتا للمرة الاولى، كان اول ما لفت نظري بأنني لكي اصل الى محطة الباص من بيتي كان علي أن اسلك طريقاً ترابياً أما عندما نزلت من الباص في كريات آتا فلم يكن علي إلا المشي مباشرةً حتى أصل باب المدرسة. قلت في نفسي حينها كم هي منظمة كريات آتا، ما أسهلها. لكني اكتشفت فيما بعد بأن البناء هناك سبق الانسان بينما في شفاعمر الانسان سبق البناء. الناس تصل الى كريات آتا لتجد بيت جاهز، خطوط كهرباء وشوارع معبدة بينما هنا فلكي تفتح شارعاً يتوجب عليك بأن تقبل الكثير من الأيدي، وفي نهاية المطاف الشوارع تمر حيث لا توجد ممانعة. “المصلحة العامة عنا ميتة”.
رسمت في البيت كثيراً منذ أن كنت صغيراً. أذكر بأن تجار الملابس كانوا يحضرون قمصان الرجال في كراتين مغلفة بنايلون يظهر لون وشكل القميص، وكانوا يلقون بهذه بعد أن يبيعوا القميص. كنت آخذها واضع الرسمات على الكرتون وأغلفها بالنايلون لأصنع لها ما يشبه البرواز، ومن ثم اوزعها على أقاربي ليعلقوها على الحيطان. للأسف لم يحتفظ أي منهم بهذه اللوحات.
الرسم كتوجه بدأ بعد أن انهيت المرحلة الثانوية حيث رسمت لوحة لشاعرة من عسفيا اسمها هيام قبلان صدرت على غلاف ديوانها. كانت لوحة سريالية، وأعجبتني جداً فكرة ان تتواجد رسمة لي على غلاف كتاب. ميشيل حداد، الشاعر والصحفي الذي كان يعمل بصحيفة “الأنباء” وكان يتجول في القرى والمدن ليقابل الفنانين والشعراء والرسامين، حضر الى بيتنا وكتب عني مرتين في “الأنباء” ووصفني “بالفنان الواعد أسد عزي”. بالنسبة لفتى بصف التاسع او العاشر كان هذا حدثاُ كبيراً اعطاني دفعة لان الشهرة بطبيعة الحال جزء من الموضوع. اليوم هناك من يتعلمون الفن فقط لأجل الشهرة، للأسف.
هكذا بدأ اهتمامي يكبر، وعندما ذهبت للتسجيل في الجامعة تقدمت لعدة مواضيع وقبلت لاثنين فقط، الفلسفة والفن، واللذين كانا من أدنى المواضيع بالجامعة. قلت سأبدأ بالدراسة ومن ثم انتقل لمواضيع أخرى، ولكنني أحببت الموضوع فجأة. بعد أن انهيت اللقب الاول بدأت أفكر بدراسة الدكتوراة بتاريخ الفن. ولكني سافرت الى ايطاليا قبل ذلك حيث قضيت هناك 8 أشهر جربت النحت خلالها. عندما عدت اقمت مكاناً جديداً هنا في أرضنا (بجانب منزل العائلة) وبدأت أنحت. تاريخ كامل من النحوتات والتماثيل دفن هنا فلم أكن أعرف بأن حجر الجليل يتكسر. بمرحلة ما توصلت الى نتيجة بأن علي تغيير مسار حياتي والانتقال الى تل أبيب لاستكمال اللقب الثاني ومن ثم الدكتوراة في تاريخ الفن، الشيء الذي يحتاجه مجتمعنا- حتى اليوم لا يوجد لدينا إلا دكتور واحد كهذا هو حسني الخطيب شحاده، وكأن الفن منبوذ لدينا ليس فقط غير مطلوب.
الفترة التي درست فيها اللقب الثاني كانت ثورية وكذلك المعلمين اللذين درسونا كانوا يساريين بشدة. في السنة الثانية من الدراسة قررت بأن أخرج من سكن الطلبة وأن استأجر شقة في تل أبيب وأبدأ مسيرتي هناك. بعد سنة صار لدي شغف بالرسم، وبدأت أذهب لبيت مسنين لأرسمهم وأكتب ماذا يقولون. كان هذا بتوجيه من معلمي خاصة وأنني عدت للرسم من مخيلتي. أخذت بنصيحته ورسمت مسنين لا اعرفهم ولا يعرفونني وكتبت صفحات على صفحات. بعد ذلك انتقلت الى المسنين الذين أعرفهم في البلد ومن ثم انتقلت للعائلة. هكذا صار الرسم يحتل دور معين وصارت لدي تقنيتي او تقنية أعمل على تطويرها عن طريق مواضيع تهمني. لم ارسم القدس ليأتي سائح ويشتري احدى لوحاتي. رسمت عائلتي، الحمولة الكبيرة، اشخاص ومناسبات، أمي وأبي وإخوتي وأنا وإلخ. هكذا تطورت لغة التشكيل لدي لأمكنة كانت فيها علاقة مباشرة بين قدرتي على الرسم وهدفي من الرسم. دائماً كان يجب ان يكون لدي مسارين- مسار للمكان الخاص الذي أقوم به بتجاربي، ومكان لم أتحدث فيه عن عائلتي بالضرورة انما عن الجذور، من خلال العائلة تحدثت عن الترابط والتراص الذي يقول بأنك لست وحدك في هذا العالم. للأسف، هذه الأمور تلاشت اليوم وضاعت لأن الناس خائفة من المستقبل. بالماضي صلة الرحم كانت واحدة من الكبائر- الكبائر العشر بالقرآن. هذه الروابط لا تقتصر على مجتمعنا العربي على فكرة. الاعتقاد بأن هذه العلاقات غير قائمة بالمجتمع الغربي هو سطحي فهي متواجدة تحت السطح وبشكل عنيف. انظري الى اليهود كيف يجتمعون بعائلاتهم في كل عيد، الاهالي والأولاد والأحفاد. لا توجد عائلة يهودية لا تتواصل مع أبنائها هاتفياً في كل يوم.
لماذا بدأت بالعائلة بالذات؟
لقد خرجت من بيئتي الطبيعية بجيل صغير دون تهيئة ودون ان يشرحوا لي ماذا سأرى وكيف سأتعامل مع ما أرى. مثل قصة الكهف لدى سقراط. شخص يعيش في كهف كل حياته حتى يخرج الى العالم. اول ما يراه هو البياض فيبدأ بحك عينيه ليبدأ تدريجياً برؤية الأشجار والألوان في الخارج. السؤال كيف سيرجع ليخبر من بقوا في الكهف بما رأى. سيقولون عنه مجنون بالطبع. صحيح بأن الناس كانت بالماضي ترسل ابنائها للتعلم في القدس او بيروت ولكن البيئة كانت نفسها واللغة والأكل أما انا فقد ارسلت لبيئة مختلفة. بيئة المعلم فيها ليس اله ولا يحمل عصا. كيف سأقتنع بعد ذلك بأن المعلم الذي يحمل عصا هو أفضل!
الرسومات المتعلقة بالعائلة من سنوات الثمانينات كانت تحكي عن حالة الشوق والحنين للمكان الذي خرجت منه، مثل الجنين الذي يشتاق للرحم دون أن يعرف بالضرورة ما هو هذا المكان. الانسان يقضي حياته وهو يحاول العودة الى الرحم، الى باطن الارض، الى المكان الذي يجد فيه الراحة والسكينة. كانت لدي حاجة بأن أتحدث عما ينقصني هناك (في تل أبيب) ولو ان ذلك لم يعد يفدني في حياتي فلم تعد هناك امكانية لأن ارجع الى هنا وأقوم بما أقوم به.
بشكل طبيعي، المكان الذي يسكن فيه الانسان يؤثر على تفكيره، ولا أقصد بذلك بأن تل أبيب أفضل من شفاعمرو، فتل أبيب تخلو من الروحانية والفكر، ليس هناك إلا المقاهي والترف. لا توجد مواضيع ولا تتم معالجة الفقر او التدهور الخلقي. لا يوجد فنانين يقولون للناس ما هو الصحيح وما هي نتيجة ما يقومون به. لا أحد يلفت النظر الى حقيقة وجود فقر كبير الى جانب كل هذا الترف. من غير المعقول بألا يتحدث الفن عن الفقر بينما التقارير تشير مرة تلو الاخرى الى انتشاره الواسع والمقلق. لكن في تلك الفترة، كانت لدي حاجة نفسية واجتماعية لأن أسكن لوحدي للمرة الاولى بحياتي، وبأن يكون لدي بيت واستقلالية، مع العلم بأن قلائل هم الذين تجرؤوا على القيام بهكذا خطوة في حينه. في تلك السنوات الناس كانت تبكي على من يخرج من قريته، وكأنه عروس تخرج من بيتها. لم يكن ذلك بالشيء البسيط لهذا فأنا أقول كل الاحترام لأشخاص مثل محمد بكري وسهيل حداد الذين خطوا مثل هذه الخطوة.
مع ذلك، فهذه لم تكن بيئتي الطبيعية لهذا فقد فتح هذا الوضع الجديد سؤالاً كبيراً- أين هذا في فنك؟ اذا كان هذا الموضوع يشغلك فكيف ستعبر عنه، وهل أنا نادر أم أن هناك آخرين مثلي. بطريقة غير مباشرة هذه الامور ظهرت في أعمالي فعندما رسمت عائلتي كنت أقول للإنسان المحلي بأنه لا يدرك معنى وقيمة بأن ينزل من البيت ليشرب القهوة مع عمه او اخيه وبأنه يجد هؤلاء من حوله في كل يوم. كنت أقول له بأنه لا يدرك بأن هذا هو ربما أهم شيء في الوجود، ففي تل أبيب كنت أستيقظ في الصباح وأشرب القهوة لوحدي، وأنام لوحدي وأحياناً كنت أتحدث الى نفسي حتى. لقد عشت أربعون عاماً على هذه الحال، وكأنه لم تكن هناك حاجة لأشيخ لكي أشعر بالوحدة والعزلة. لكنني فرضت هذه الوحدة على نفسي لأنني جئت الى هذا العالم لأقوم بدور معين. هذا هو تاريخ الفن فدافينشي وغيره من الفنانين الكبار رؤوا بأن لهم دور بعثوا من أجل القيام به ولم يبحثوا عن الشهرة او الغنى وما الى ذلك.
أي دور هذا؟
دور التوعية ففني ليس فناً ترفيهياً. كان ذلك واضحاً بالنسبة لي منذ البداية وأصبح أوضح اليوم. عندما رسمت الخيمة في الجليل واكتشفت ما قمت به سألت نفسي لماذا لم تكن الخيمة في الصحراء، في النقب. انظري مثلاً الى الفرق بين مايكل جاكسون ومحمد علي كلاي، كلاهما سود ولكن كلاي رأى بأن مهنته أوصلته لمنصب يستطيع التأثير من خلاله أما الآخر فمات ميتة الكلاب. ربما الفنانين اليهود ليسوا بحاجة لمثل هذا الدور فلديهم أناس يصنعون حتى أسلحة الدمار الشامل والمهم بالنسبة لهم بأن يعيشوا اليوم أما لدينا فلا يكفي بأن يكون الفن فناً، يجب أن يكون له هدف.
في كل فترة وفترة أحاول أن أفهم ما هو دوري بالمجتمع الذي أعيش به، بهذه المنطقة. أنا لا أرسم “على هواي” انما اسأل نفسي ما هو دوري في هذا الوقت بالذات، وهذا يحدد ما أقوم برسمه. في كل فترة يكون الرسم بمثابة تجربة، تجربة تنتهي بنتيجة. لا أعتقد بأن هناك يهودي إسرائيلي مستعد لأن يعلق لوحة على حائط بيته تقول- هذا هو صراعي معك. ولكن، في المقابل، هناك فنانين عرب لا يدركون ما هو دورهم لهذا فهم يلعبون بهم، يعلقونهم كالحلقة في أذنهم. أنا لا أقول لهم أريد أن استرجع شفاعمرو إنما أقول لهم شيء أصعب، بأنه من الواضح بأنكم أخذتم ما أخذتم بالقوة.
كانت هناك فترة اعتمدت فيها على التصوير كثيراً. هل لذلك علاقة بالدور الذي حاولت القيام به في حينه؟
كنت أستعمل الكاميرا للتوثيق فقط. انا لست مصوراً ولكن وقعت بيدي كاميرا وأنا ابن 12 سنة، وعندي صور لأناس كهذه (يشير الى صورة قديمة معلقة على الحائط)، هذه الانسانة، قريبة عائلة، لا يوجد لها اليوم أي صورة إلا هذه. كنت أصور بالسنة بين 3-4 أفلام فقد كان الفيلم يكلف 7 ليرات (كأن تقولي 700 شيكل اليوم!) وكان علي أن أدفع 35 قرشاً على كل صورة أي ان تبييض الصور كان يكلف 15 ليرة تقريباً مع العلم بأنني كنت أصور 36 صورة، اثنتان منها جيدة فقط! التصوير آنذاك كان له سبب حقيقي ففي هذه الصورة مثلاُ كان عمي الذي صار شرطياً في طريقه الى يومه الاول بالعمل. في حينه كان هناك مصور واحد في البلد ومن لديه كاميرا كان يخرجها فقط بأيام العيد، وبالطبع لم تكن هناك كاميرة فيديو. بمرحلة ما استعرت كاميرة فيديو من صديق في تل أبيب وأعطيته بالمقابل احدى لوحاتي. لدي تسجيل لأولاد أخي عندما ولدوا ولعماتي- احداهن لا يوجد لها أي صورة وبالطبع لا يوجد غير الفيديو الذي صورته. لا توجد أي صور لي حتى قبل سن الخامسة وحتى بعد ذلك هناك صور فقط بدون حركة.
آنذاك هدفي كان ان اوثق لحظات بتاريخ الانسان، لحظات تستعيد من خلالها احساسك بالمكان والزمان، تستعيد نفسك، ترى كيف كنت مع ابنة عمك، كيف كانت الناس تلبس والخ. عمتي التي توفيت مثلاً مهما فعلت لن أستطيع أن استعيدها ك- 10 ثواني بتسجيل فيديو. في مرحلة لاحقة صرت أدخل الصورة الى قلب العمل كتقنية، مثلها مثل الرسم، النحت وغيرهما. أحضر اقتباس من عالم التصوير وأتحدث عنه وعن دوره. اليوم، في هذا العصر، هناك هجوم شرس على شاشة الانسان بكل الوسائل ولم يعد من السهل بأن يلفت الفن نظر الناس وان يدخل لحناً نظيفاً وحقيقياً الى حياتهم يؤثر فيهم.
الفن هو موضوع يشغل بالك ليس فقط كونك فنان ومهتم بصناعة الفن انما أيضاً كمجال بحث، لهذا فأنت تكتب المقالات التحليلية بين الفينة والأخرى كما انك اصدرت كتاباً عن الفن الفلسطيني التشكيلي. الفن هو “ثيم” في أعمالك يظهر مثلاُ في البورتريهات التي رسمتها لنفسك.
رسومات البورتريه الشخصية او رسومات العائلة والطبيعة لم اعمل عليها بفترة واحدة فقد عملت على البورتريهات الشخصية مثلاُ في ثلاث او اربع فترات مختلفة. في كل فترة كان هناك بين عشرين الى ثلاثين عمل، وكان السؤال لماذا أقوم بذلك مرة أخرى، ما الهدف. في المجموعة الاولى، الموضوع الذي أشغلني كان لماذا يرسم الرسام. في نهاية المطاف الرسام يخلق عالمه مثله مثل الرب. من الواضح للرب لماذا يخلق هذا العالم وكذلك الفنان يجب أن يكون من الواضح له لماذا يخلق العالم الذي يخلقه. لأننا نتحدث عن عالم مرئي، أي لوحة ينظر اليها المشاهد، يجب أن تغطى هذه الفلسفة بألوان وأشكال تعجب المشاهد أو تلفت اهتمامه.
في الفترة التي رسمت فيها بورتريهات لنفسي وأنا أرسم أشغلني السؤال ان كان الفنان يحاكي الطبيعة أم انه تشبيه للطبيعة. هناك سؤال كبير اليوم في عالم الفن- فهناك فنانون يرسمون بأسلوب “هيبر-رياليستيك”، وكأن الكاميرا هي التي ترسم، ويقولون بأن الرسم بطريقة أخرى هو مجرد “خرابيش. في المقابل، هناك فنانون يقولون بأن الكاميرا تقوم بهذا الشيء فماذا يستطيع الرسم أن يقدم عدا عما يقدم لنا “الفوتوشوب”. هل الفن هو مجرد مقدرة تقنية أم يجب أن يكون هناك ذكاء فكري، موروث أو مكتسب.
في المجموعة الاولى يظهر رسام يحمل ريشة وله عين واحدة، أما في انعكاسه بالمرآة فيظهر شخص آخر لا يحمل ريشة. السؤال الذي يطرحه العمل ان كنت انا وأنت وغيرنا نرى نفس الشيء هنا. في مرحلة أخرى، بمجموعة أخرى تعاملت مع وجهي كبقعة لون. استخدمت الهيكل الشخصي، شكلاً ومبنى، لكي أقوم بتفعيلة لونية مجردة فمرة ظهر شعري اصفراً ومرة لحيتي خضراء او زرقاء والخ.
اعتمدت هذا التسلسل بمعظم المجموعات حيث قمت برسم نفس المشهد او اللوحة بصيغ مختلفة فمرة نرى الحصان أعمى ومرة نرى ميتاً أو أن راكبه ميت. ماذا حاولت أن تقول من خلال ذلك؟
أنا أعمل على موضوع بسلسلة من اللوحات، عدد من النسخ لنفس اللوحة. هذه حالة تمكني من استيضاح الامور أكثر. هذا التسلسل يقول بأن للحقيقة وجوه عدة، بأن الحقيقة هي واحدة من آلاف الصيغ الممكنة لنفس الشيء.
خلال العامين الأخيرين كانت هناك سلسلة أخرى طبعت بما يشبه الرزنامة قمت من خلالها برسم بورتريهات لأناس توفوا، كسلمان ناطور، والى جانبها رسومات قديمة لي. الرسومات كانت من فترة التسعينات التي تعاملت خلالها مع البساط العربي. نصف اللوحة كانت بورترية ونصفها الآخر نوع من أنواع التطريز. وضعت أسلوبين مختلفين من الرسم واحد الى جانب الآخر. اسلوب واحد “رياليستيك” والثاني “كونسبتوال” أو ادراكي، احدهما بالحاضر والآخر بالماضي- تناقض بين عالمين رسمهما نفس الفنان. كانت هناك محاكاة في التعامل مع مفهوم الزمان والمكان والمتواجد واللامتواجد لأن الحاضر أيضاً أصبح ماضياً بموت الانسان الذي يظهر في البورتريه. للمحاكاة هنا أبعاد مختلفة، فمن جهة هناك محاكاة للواقع في بورتريه سلمان ناطور لأن التشبيه الذي رسمته يشبه وجهه الحقيقي ولكن المحاكاة الحقيقية بالنسبة لي، من جهة أخرى، هي محاكاة الواقع الذي أعيشه- محاكاة لواقع الانترنت حيث نرى أمور مختلفة عى نفس الشاشة. هذه هي المحاكاة الحقيقية للواقع. نحن نعيش اليوم بعالم “MTV”، من الممكن بأن يكون الشخص متزمتاً ولكنه يلبس “Lacoste” ويسوق سيارة “BMW”، وأن يكون اليوم في مكة وغداّ في لندن. المحاكاة الحقيقية في رسم عدة رسومات بنفس اللوحة هي محاكاة للواقع الذي أعيشه، للحالة التي نعيشها اليوم. لكي أرسم الواقع الحقيقي فأنا ادمج بين الكاليغرافيا، الغرافيكا، الرسم المجرد والتخطيط أحياناً كلها في نفس اللوحة.
على الاختلاف من الفنانين الآخرين أبناء جيلك بقيت مخلصاً للرسم، على تنوع اسلوبك طبعاً، ولم تحاول استخدام وسائل\ميديا اخرى.
جربت النحت ولكن كما قلت لفترة طويلة تعاملت معه ولم أصل لأي مكان. تلك الفترة كانت متعلقة بالمكان- بالأساس شفاعمرو وحيفا- عندما كانت صلتي بالأرض قوية. المكان كان مهم جداً فبعد أن انتقلت الى تل أبيب كنت أسكن بالطابق الثالث!.
كانت هناك نقلة في أعمالك من رسومات تصور مشاهد انسانية يومية لرسومات فيها مخلوقات ميثولوجية تشرب وترقص وتغني وكأنها في عالم آخر. هل يمكننا القول بأنك “هربت” من الحياة اليومية الى الفنتازيا؟ وهل كانت لذلك علاقة بالواقع الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه هنا؟
لم تكن فترات منفصلة بالضرورة فقد عملت دائماً على خطين، خط يتحدث عن التواصل مع المجتمع وخط يتحدث عن التأمل الذاتي، التأمل الفلسفي للوجود، والذي يطرح أسئلة حول التخليد وهدف تواجدك ووجودك. بما انني رسام، وبما انني تعلمت التناخ حيث قام الرب بتفويض انبياء معينين، كحزقياهو ويرمياهو، لتعديل امور الشعب، أتصور بأن الريشة تعطي للرسام من قبل الرب، من قبل قوة عليا، ليقوم من خلالها بدوره في التوعية والإصلاح. هذه التأملات هي نوع من التذكر- لتتذكر من أنت والى أين انت ذاهب، لهذا يظهر فيها الصعلوك العاري الوحيد وهو يمشي او يركب حماراً، يبحث عن سبيل أو يستكشف طريقه وكأن هذا المستكشف او القائد او المصلح هو نفسه يسأل ان كان ما يقوم به نافعاً او مجدياً.
وما هي قصة الحمار\الحصان الذي يظهر في العديد من اللوحات؟
هو ليس حماراً ولا حصاناً كما أنه لا يذهب لأي مكان فأرجله كالمرجيحة. الصعاليك الذين يركبون الحمار\الحصان هم فلاسفة او مهووسون يفكرون خارج الصندوق، خارج نطاق القطيع، ولأنهم صعاليك عرب فالحمار الذي يركبونه يطارد في مكانه. في أغلب الأحيان يكون الحمار “هلكان وصار خالص كازه” لان الصعلوك عربي ليس لديه الى اين يذهب. اذا كانت لديه فكرة مجنونة فلا يوجد قائد عربي يستمع اليه ويتجند لتنفيذها.
نجد في رسوماتك الكثير من الشخصيات العارية لا سيما النساء اللواتي لا يبدو بأنهن يخجلن من عريهن ولو للحظة. هل يمثل هذا العري احتجاج على نظرة المجتمع للحرية الجسدية؟ وماذا عن عريك أنت في البورتريهات التي رسمتها لنفسك وأنت ترسم- هل هو محاولة للتعري من الهويات والتصنيفات الاجتماعية والسياسية أم تجسيد لحالة الفنان وهو يمارس فنه؟
هذه شخصيات خارج نطاق “الاتموسفيرا”. مشكلة هذه المجموعات بأنني رسمتها لنفسي ففيها رقص وعربدة وسكر ومن الصعب عرضها في البلدان العربية (تعذر عرضها مثلاُ في صالة العرض بأم الفحم). وهي للتوضيح ليست جزء من سيرتي الذاتية او مستوحاة منها بل كوني لدي قدرات ذهنية وجسدية لأن اتحدث عن موضوع معين وليس بالضرورة أن اؤمن بأنه ايجابي او سلبي. هي فكرة، وفكرة الحديث عن الحرية خطرت لي بعد ان قرأت رواية “أكنس الشمس عن السطوح” لحنان الشيخ. عندما ذهبت البطلة الى اخاها في باريس في ظل الحرب الأهلية، كان أخاها مشغولاً طيلة الوقت وهذا ما أفسح أمامها المجال لأن تكتشف بأن لديها حرية التصرف المطلقة. احد الامور المهمة التي شعرتها خلال قراءة الرواية بأن الحرية على الجسد هي الحرية الحقيقية لا سيما وأن هذه تمنح للرجل فقط في مجتمعنا العربي او الاسلامي اما المرأة فمن الممكن بأن تعاقب حتى الموت. لا سلطة للمرأة على جسدها، هي بملكية الرجل. حنان الشيخ وجدت حريتها هذه في فرنسا لأنه لم يكن هناك رجل يقيدها. لا أعتقد بأن الحرية تقتصر على هذا الجانب ولكن المرأة، والرجل أيضاً، في العالم العربي اذا ارادوا التعبير عن شيء ما خوفهم بأن يعاقبهم المجتمع جسدياً يكون كبير جداً. من هذه الناحية فنعم، حرية الانسان العربي على فكره متعلقة بجسده.
هذه الفكرة شدتني لان هناك شيء شديد وعنيف جداً لدينا تحدثت عنه بنفسي من خلال لوحات العائلة، بإطارها الصغير والكبير، كخلية اجتماعية مترابطة لا يوجد للفرد حق بأن يخرج من اطرها. بنفس الطريقة ممكن أن تكون هناك شابة تريد ان تظهر بملابسها الداخلية فقط لكنها تعرف بأن هناك حدود وهذه الحدود هي بالضبط هذا المكان الذي أتحدث عنه، الخوف على الجسد. لكي تتمكن من القيام بذلك دون أن يعاقبها أحد يجب أن يكون هناك حيز آخر، أن نأخذ هذه الحالة او المشهد لإطار خارج المتعارف عليه. ماني رسم لوحة اسمها “وجبة فطور على العشب الأخضر” أغضبت الكثير من الناس في فرنسا لأن الرجال كانوا بملابسهم أما النساء فكن عاريات. في لوحة ماني الشخصيات كانت طبيعية ولم يكن هناك شيء مستوحى من عالم آخر. أما أنا فلم أرسم نساء عربيات انما رسمت أناس اغريقيين بعيدين عن هذا الزمان، شياطين ومخلوقات هجينة.
وهل كان السبب خوفك من اغضاب الناس هنا كما أغضب ماني الفرنسيين؟ أم عدم ايمانك بأن هذا التحرر ممكن حقاً في عالمنا الواقعي؟
لقد جاء ذلك بعد فترة طويلة امتدت لسنتين او ثلاث اقمت فيها عدة معارض كان موضوعها المركزي المعضلة المتزامنة في علاقة الرجل والمرأة، ليس من المنطلق السينمائي الدراماتيكي انما من منطلق التغيير. فالرجل في تاريخ الفن يعرض دائماً كشخصية مركزية ويحتل عادة مكانة الشخصية المهمة، أما المرأة فتكون تابعة وغالباُ ما تعرض كموضوع الشهوة (מושא תשוקה). صحيح بأن رسامي “الرينسانس” قاموا بتعرية المرأة في البداية من منطلق البحث عن الحقيقة وبألا يكون الفن متلبساً بأغطية ولكن اذا ما ذهبنا اليوم الى متحف ونظرنا الى الصور العارية سنجد بأن المرأة أصبحت موضوع للمشاهدة والشهوة وليس للتقدير. التغيير الذي قمت به أنا كان عملياً بأنني اقتبست لوحة لروبينس تظهر فيها ديانا آلهة الصيد مع كل جارياتها. بعد أن يرى أكتيؤون، الصياد الذي يتجول في الجبال، ديانا من بين الشجر تقوم هذه بتحويله الى غزال ومن ثم ترسل كلابها اليه ليقوموا بتقطيعه وقتله. عندما يتحول الانسان الى حيوان فهو يفقد قدرته على الوصف، التذكر والوعي لهذا فأول شيء قامت به ديانا بأنها محت ذاكرته لكي لا نعرف ماذا رأى. اكتيؤون الذي رسمته أنا حاول أن يكفر عن خطأه بسرعة قبل أن تحوله ديانا الى غزال، فحاول ان يقدم لها الورود ويحضر لها الماء لتغتسل. لوحات على لوحات تتعامل مع هذا الموضوع، لا اعتقد بأن هذه ممكن أن تعرض في بلدان عربية أيضاً. هذا الانسان او الذكر يتحول تدريجياً، بفعل هذا الادراك المتراكم، الى نوع من انواع الجواري، جارية ذكر بقصر نساء كالذين كانوا يخدمون في القصور التركية بالماضي. هي محالة لفحص الحقيقة- هل فعلاً كل شيء يظهر على الشاشة او بالحياة اليومية هو الحقيقة ام أن هناك أمور نراها ولا ندركها. هذا الدور الكلاسيكي للرجل بمجتمعنا وكأنه القائم على كل شيء هو حالة نسبية فقط لا غير لأن المجتمع يعتقد بأن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة، بأن الحقيقة التي تظهر على الملأ هي الحقيقة الوحيدة.
في مجموعة الأزواج غير المحددة بمكان او زمان معين نرى الازواج، الذين تربطهم علاقة او لا ربما لا، يخرجون الى الطبيعة ويمارسون المفاهيم البدائية لأسباب الوجود. بالتأكيد لا يمكن أن تكون الحياة كلها بهذا الشكل ولكن هذه تجليات للإنسان المعاصر. مقابل التواجد المستمر داخل البيوت والباطون والمركز التجاري والآيفون من المفترض بأن يكون هناك خروج للطبيعة وعودة للشهوة الاساسية. أنا اتحدث عن المجتمع بشكل عام. الانقطاع عن الطبيعة يخلق عدم توازن. المشي مدة عشر دقائق على تراب عادي يضاهي 10 سنوات من مشاهدة السينما. هي اذاً نوع من الدعوة للخروج من القوقعة والقفص الذي بنيناه حول أنفسنا. من المهم أن نوضح هنا بأن المناظر والأزواج كلها عملياً اقتباس من لوحات اوروبية، حتى المناظر الطبيعية أحضرتها من أماكن مختلفة وقمت بتركيبها ولكنها افتراضية، “فيرتوال”، وكأني أصعد جبال الألب وأنا في تل أبيب. زياراتي المتكررة إلى سيناء مرتبطة بهذا المكان ولكن حتى ال-14 يوم التي أقضيها هناك هي حرية أشتريها بالمال، هي حرية مصطنعة ليست حقيقية. برأيي لم تعد هناك امكانية من هذا النوع، للعودة الى الحياة البدائية والحرية المطلقة.
ليست صدفة بأن احد معارضك حمل اسم “Baccanalia” (نسبة الى باخحوس آلهة الخصوبة، الخمر والدراما) وبرزت فيه الشخصيات الهجينة والخيالية. نافا ساديه تقول في مراجعة لهذه الاعمال بأن مثل هذه الشخصيات رمزت في الحضارة اليونانية الى “الغيرية” (otherness) وبأنها ترمز في أعمالك الى غيريتك أنت بالمعنى الاجتماعي السياسي.
لقد انكشفت على هذا العالم من خلال الرسومات فهناك رسامين قاموا برسم مهرجانات باخوس طوال حياتهم. لم يكن لدى اليونانيين فصل بين الجسد والروح على عكس الديانات التي تدعي بأنه لا يمكن أن تكون روحانياً وبنفس الوقت جسدياً- يجب أن تكون متواضعاً من ناحية الجسد لكي تترفع روحانياً كما أن شرب الخمر مسموح فقد لدى النصارى وأيضاً لديهم فهو مسموح دون مبالغة، ليس حد الثمالة.
لا أعرف ان كنت قد تأثرت بذلك ولكن بشكل طبيعي فهذه الامور تحتل حيز بمراحل معينة من حياة الانسان. بفترة معينة يصبح النظر الى هذه كظاهرة من ظواهر المجتمع كونت حالة. اليونانيون لم يعيشوا هذه الحالة طوال السنة ولكن بفترة معينة (موسم العنب وصناعة النبيذ) كانت بمثابة شباك او فسحة وفرت للمجتمع فرصة للترفيه عن نفسه من متاعب الحياة.
“الساتير” الذي كتبت عنه نافا، وهو نصف انسان ونصف حيوان، لم يشارك في لوحاتي بهذه الاحتفالات. هو يراقب “البكخناليا” من الطرف ولكنه محروم منها. هو لم يكن مواطناً لأن المواطن يجب أن يكون انسان وتابع للناس بينما “الساتير” فهو من عالم آخر. عالمه هو عالم ميثولوجي غير معرف بينما الانسان العادي فلا يستطيع أن يحيى في عالم غير معرف لا يوجد فيه أمان. لهذا، فغير المعرف ممكن أن يعتبر مجنون او غير متوقع بتصرفه وعليه لا تقبل مشاركة “الساتير” ولو أنه معني بها. هنا يدخل عنصر آخر وهو عنصر التلصص (מציצנות). “الساتير” في لوحاتي يسترق النظر من وراء الشجر لكنني أحول المشاهد أيضاً الى “ساتير” لانه ينظر الى صورتين- صورة النساء والرجال والصورة العامة التي يظهر فيها “الساتير” وهو يراقب المشهد. المشاهد يشعر ك”الساتير” وكأنه مختبئ وراء شجرة وينظر الى المشهد ولو انه لا توجد شجرة حقاُ من أمامه إلا اذا كانت هناك واحدة في داخله!.
“الساتير” بتحليل نافا ساديه هو عملياً الكائن المهدد للنظام العام لان لديه قدرة لا يملكها المواطن العادي: فنصفه آدمي، لديه قدرة على التفكير والادراك، ونصفه الآخر حصان او ثور، ولديه القدرة الحيوانية للتكاثر، وهذا يهدد الرجال بالنظام اليوناني لأن “الساتير” من الممكن أن يختطف منهم الاناث ولهذا السبب يجب ان يبقى خارج الجدران. “الساتير” يهدد النظام الاجتماعي لأنه قد يلاقي اعجاب النساء وهذا ما يحصل دائماً- عندما يدخل غريب نجد بأن الرجال يحذرونه. هو يمثل لدي هذا الشيء الذي يتواجد خارج الاطار المقبول ولكن أيضاً الغريزة والإدراك. من جهة ثالثة فقد استعملت “الساتير” بفترة معينة بالذات بسبب حاجة الازواج لأن يكون هناك من يسترق النظر اليهم، وهي حالة مستدعية من قبل الاناث لكي يرغب الرجل فيها أكثر. الانثى بشكل طبيعي تخلق توتر متعمد بواسطة معاكسة الآخر لأنها تعرف بأن ذلك يشعر شريكها بالتهديد وبأن خصوبته ترتفع بهذه الحالة لأن كمية الحيوانات المنوية تتضخم بالأضعاف. هذه حالة حيوانية يدرك الرجل فيها اكثر بأن هناك حاجة الى التغزل بالمرأة وحماية علاقته معها.
وأين أنت في هذه الديناميكية؟
“الساتير” كما كتبت نافا هو المرفوض اجتماعياً، الكائن المتواجد خارج سور البلدة لأنه بهدد النظام العام. لهذا ف”الساتير” هو أيضاً انا. بدخولي الى تل أبيب من الممكن بأن أسرق الأضواء والمتع. انا مواطن خطر جداً على النظام الاجتماعي الذي يغمض عينيه. وبما أن المرأة هي الضمير، ضمير المجتمع، فأنا أعتبر خطير لأنني قد امس بهذا المكان، أصحيه، اوعيه، اقنعه بأنه لا يوجد جيد وجيد أقل، كلنا أولاد هذه الارض.
مسألة الهوية تشكل محور مركزي بالمواضيع التي تتناولها في أعمالك.
الحديث عن هذه المواضيع هو جزء من وظيفتي كفنان. التعاطي مع الهوية هو محاولة لتوسيع دائرة التعريف لكي لا نكتفي بالتعريفات التقليدية فهذه أسهل الحلول. السؤال في هذا العالم “البوست- مودرن” هو هل أنكمش على ذاتي واعتزل أم احاول تكوين هوية جديدة تتلائم مع الحياة اللي احياها. الهوية مصطلح متطور بينما بالتعريف القاموسي فهو متحجر. اليوم الهوية تغيرت لان صلة الناس بالمكان لم تعد نهائية او لا رجعة فيها. في الارجنتين كان هناك رئيس وزراء عربي. جنوب امريكا مليئة بالعرب. الدنيا تتحرك. وجودك بفرنسا لجيلين او ثلاثة يبطل تعريفك الكلاسيكي للهوية. اليوم هناك تخلخلات وتزلزلات. قضية الهوية مهمة جداً وقد تعاطيت معها لأنه لا يعقل بأن تظل الهوية كما هي معرفة بالقواميس. بالذات في عالمنا اليوم، كثير مركبات الهوية تتغير، وأنا لا أتحدث فقط عن انتمائي الثقافي والحضاري. ولكن لنفرض بأنني أعيش اليوم بمدينة ايطالية، هل يبقى انتمائي على حاله؟ هل عندما اقول انا عربي ويقول سوري انا عربي ويقول امير قطري انا عربي، هل تحمل هذه نفس المعنى. تعريفي انا للهوية بأن فيها المتغير وفيها الثابت. كان من الممكن بأن أجد حلولاً عن طريق الدين ولكن المشكلة بأن الحلول عند الدين تنتهي عند الله دائماً.
كان لدي معرض خاص في رمات غان (“بطاقة هوية” من عام 1988) تعامل مع موضوع الهوية ليس بالشكل التصريحي او بالشعارات انما بمعنى الهوية الثقافية. من انت بالمفهوم الثقافي والحضاري، ما هي مفاهيمك للحياة، طقوسك الحياتية، الثوابت التي تتبعها كمجتمع وكفرد. أنا خارج الأسوار منذ البداية ليس فقط بالعالم الافتراضي الذي كونته انما أيضاً خارج القرية التي تركتها. شخص خارج عن السرب. ربما لم يعد لي حق حتى في التدخل بمفاهيم ونظم وأشكال وأنماط الحياة التي يعيشونها. هناك حلقتين وأنا لا أجد نفسي بأي منها.
اذا انت “ساتير” يهدد النظام العام بمجتمعنا وليس فقط بالمجتمع الاسرائيلي؟
انا اقسى على مجتمعنا منه على المجتمع الإسرائيلي. أعتقد بأن مجتمعنا لا يلعب دور الضحية. مع أنه ضحية بحق لكنه لا يلعب دور الذبيحة لأنه لا يدرك ماذا يحصل معه. يعتقد بأن ربان السفينة لن يلقي به الى البحر. اليوم أعتقد بأن احدى المشاكل المركزية في فني بأنه موجه لأناس غير معنية به، وأقصد هنا على مستوى مجتمعنا. كل مدينة بحجم شفاعمرو بالخارج ند فيها صالتي عرض على الأقل. صحيح أن الميزانيات صغيرة ولكن بالامكان ايجاد طرق لدعم الحركة الفنية. “الرينسانس” الايطالي لم تكن له علاقة بالدولة قط فقد بني بفضل انسان واحد فقط- مديتشي الذي كان رجلاً غنياً أحب الفن ودعم الفنانين ليصنعوا النحوتات الالهية.
أما نحن، من نصنع الفن هنا، فنتواجد في متاهة. لقد بدأت قبل 30-40 سنة عندما لم يكن هناك أناس يأتون لرؤية القن. اليوم هناك لوحات تباع ب-60 ألف دولار. رام الله تحولت الى قبلتنا فمن من اليهود سيعلق صورة لدرويش الثالث او لالكسندر المقدوني خاصة وأنني رسمت الأخير ك”أزعر” بينما درويش يبدو جميل المظهر. هناك تصادم بين العالمين، تصادم فلسفي وليس بالضرورة فيزيائي. حتى الأحصنة في هذه اللوحة هم جزء من هذا التصادم فالحصان العربي يختلف عن أحصنة المقدوني الكبيرة وفاتحة اللون بينما الاحصنة في مقدمة عربة درويش احداها ابيض والآخر أسود وهي تمثل بذلك التوازن.
استعدت الكثير من التجارب والصدمات التي مرت علي خلال دراستي بالمدرسة اليهودية، فأنا أذكر كيف كان كل ولد في الصف يرسل رسالة للفتاة التي تعجبه وكان يحصل على جواب أما أنا فقد أرسلت 15 رسالة ولم أحصل على أي رد! الوحيدة التي كنت على علاقة طيبة بها كانت فتاة يمنية أخذتني حتى الى بيت عائلتها. أما البقية فاذا كنت أحصل على علامة 80 كانوا ينظرون الي بتعجب وكأنني نسخت لأحصل عليها بينما ال-80 التي كانوا يحصلون عليها هم فلا سؤال عليها. عدا عن ذلك فالتاريخ الذي كنا نتعلمه لم يكن له علاقة بنا. نابليون وقيصر لم يكونوا أبطالي، لدينا أبطال آخرين. تطرقت الى هذه المسألة بأعمالي وحاولت أن اتسائل من الذي اعتدى على الطرف الآخر، الشرق أم الغرب. الكسندر المقدوني بحجة بث قيمه دخل بجيشه الى تركيا وفارس وقتل مئات آلاف الناس، كل هذا لكي يفرض على غيره كيف يعيش. رسمت حوالي 20 لوحة بين السنوات 2007-2008. في الرسومات التي قاموا برسمها يظهر العربي ببشرته السوداء ومنظره البشع وهو يهاجم بينما المقدوني أبيض البشرة والجميل يبدو وكأنه من يدافع عن القيم الغربية وليس من هدم وقتل. أنا عكست الآية.
سؤال الهوية بدأ يطرح عندما كنت اسأل ان كنت فلسطينياً أم عربياً. كانوا يقولون لي “لا.. انت درزي”. لم أكن أعارض لأن هذا قسم من هويتي لكن ذلك لا يلغي بيني وبين نفسي كوني عربي بشكل مبدئي. هناك أناس اليوم ينظرون الى اليهود كيف يقولون بأنهم دين وقومية، ويريدون الادعاء بأن الدروز أيضاً دين وقومية ولكن ذلك ليس بصحيح. لكي نكون قومية يجب أن تكون لدينا لغة أيضاً ولكن لغتنا عربية وحضارتنا عربية. هناك مسيحيين أيضاً يفعلون الشيء ذاته. لقد تلاعبوا كثيراً بهذه المسألة ومن مسؤوليتي بأن اوعي الناس لهذه الحالة، لتعريف الهوية.
لوحاتي بمعرض “بطاقة هوية” كانت كلها ايقونات مسيحية ولكن يسوع لم يقف بمركزها انما انا. اخدت الايقونات المقدسة بالطقوس الدينية المسيحية ووضعت نفسي مكان المسيح. كان ذلك لسببين. اولاً لان المسيح لم يخلق بعيداً من هنا وقد يكون قد وصل تلال شفاعمرو. أنا ايضاً من الجليل كما كتبت على رسوماتي، ليس فقط المسيح. هذا المكان ولد الكثير من العباقرة كمحمود درويش وايميل حبيبي وغيرهم. السبب الثاني بان الرسام ينظر الى نفسه كما نظر المسيح الى نفسه- ضحى بجسده لإنقاذ الرعية، انصلب انقاذاً للرعية. أنا أقول الرسام اسد مصلوب او صلب من أجلك فتذكر، لكنه لا يريد نشر الدين وليس لديه بطرس وبولص اللذان كتبا الانجيل وأقاما الكنائس والخ. المسيح لم يقم بهذه الأمور، هو فقط أحدث العجائب وأشفى المرضى وأفاق الموتى. في الرسومات المسيحية كانوا يكتبون فوق المسيح “Jesus- المخلص”، أنا كتبت فوق رسوماتي رقم هويتي الذي صار يكبر ويكبر حتى اختفت الملامح ولم يبق مني تقريباً الى رقم هويتي، الوجه أصبح أبيضاً خالي من الملامح بينما الجسم تحول لزهرة دردار (التي تكون وردة وتتحول لأشواك بعد أن تجف) ذلك لأن الدولة تعرفني، حتى برقم هويتي، وكأني خارج الأسوار. عندما أذهب الى المطار، ينظرون الى بطاقة هويتي ويعرفون مباشرةً بأنني من المغضوب عليهم. هذا المعرض أثار ضجة حتى أكثر من معرض “والدي جندي” لأنهم منشغلون بقضية الهوية واهتموا لسماع ما لدي.
قرأت باحد الأماكن بأن احد الاعمال من معرض “والدي جندي” يدرس في المدارس الثانوية بإطار دروس الفن الاسرائيلي. ما شعورك تجاه ذلك؟ (والده قتل وهو يخدم في “حرس الحدود” وهو ما يزال بالخامسة من عمره)
هم يحبون فهمها بالطريقة التي تخدمهم. هذا المعرض كان نتيجة عدد من الاعمال التي انجزتها حول صورة لأبي (من عام 1956) وهو يقف بلباس عسكري استعداداً لرفع العلم. رفع العلم يتزامن أيضاً مع النشيد الوطني “هتكفا” لهذا فهناك تناقض عنيف بين “נפש יהודי הומיה” وبين والدي الذي يأتي بالأصل من سوريا ويقف في هكذا حدث. هناك شيء غريب وغير مفهوم. أبي لم يكن متعلماً وكان لديه أولاد يريد اعالتهم وتربيتهم، وكان يحب الجيش، لم يكن يعنيه بأي جيش يخدم. الجيش هنا اهتم بأكلهم ومشربهم وسلاحهم أما بالدول العربية فالجندي حتى اليوم “بوكل قتل تيشبع”. اليهود عززوا الجنود وأعطوهم معاش محترم، لهذا فوالدي لم يقف احتراماً للقضية الصهيونية انما لمن احترمه “واعطاه احساس بأنه حدا بدون ما يكون ابن فلان او علنتان”. خدمة والدي بالجيش كانت خطأ الثورة الفلسطينية، وبالتحديد القاوقجي وجماعته الذين اقترفوا أعمال اجرامية بحق الناس. كان هناك شرخ كبير بين الدروز وبين الثورة، لم يعرفوا كيف يتعاملون مع الدروز بشكل صحيح، تماماً كما يحدث اليوم مع الأقليات في سوريا والعراق. دفعوا الدروز الى أحضان اليهود بالرغم من أن الكثير من الدروز حاربوا وقتلوا الى جانب الثورة. ربما هناك مسار تصحيح اليوم.
بالنسبة لي القضية كانت قضية الوعي، ان نرجع لهذه الفترة ونقوم بدراستها، مثل الكاتب الذي يكتب عن مرحلة زمنية ويثير اسئلة ليقوم الباحثين والنقاد فيما بعد بإجراء دراسات عن هذه المرحلة وعرض استنتاجاتهم. هذا المعرض أقيم بأم الفحم قبل رمات غان، تخيلي بأن هناك أناس سألوني لماذا أقمت معرضاً من هذا النوع! كل ما قلته هو تعالوا لنفحص لماذا جرت الامور بهذه الطريقة، لماذا يوجد تخوين حتى اليوم (أسد خدم في الجيش لمدة سنة ومن ثم رفض الخدمة العسكرية).
بحسب طال بن تسفي غياب أية مؤشرات في لوحة “والدي جندي” توضح بأية حرب قتل والدك قد يشير الى عبثية الحرب والموت خلالها. من جهة أخرى، قد ترمز هذه الى الثنائية في التعامل الإسرائيلي مع الدروز وكأن موتهم أقل “قومية” وفجعاً عن غيرهم.
الحقيقة بأن العلم (الاسرائيلي) يظهر في بعض اللوحات لكن التعريف المكاني لم يكن واضحاً. عملياً أردت بأن ابقى مكان لسؤال اوسع، بأنه هل يعقل بأن يقف الجندي احتراماً للعلم كلما رفع وكلما انشد النشيد الوطني!
معظم الفنانين الذين تأثرت بهم كانوا غربيين.
الرسم هو لغة أمريكية. الحركة التشكيلية العالمية خلقت دائما وتكونت بالمراكز الكبيرة وتحديداً في باريس حتى سنة 1945 ومن بعدها في نيويورك. حتى ريفيرا المكسيكي عاش في نيويورك ولو أنه بقي محصوراً في فن الجداريات ولم يكن له مكان بالمتاحف.
اليوم لا أشعر بأن هناك فنانين يشكلون مصدر وحي او الهام بالنسبة لي ولكن بالماضي استطيع ان أقول بأنني تأثرت بمارك روتكو (أمريكي من أصل يهودي)، لوسيو فونتانا (ايطالي)، ارشيل غوركي (أمريكي) واهم منهم جميعاً غوستاف كوربيه (فرنسي) الذي اقتبست لوحته التي كتب عليها “Good day Mr.Courbet”. في لوحتي كتبت “Good morning Mr.Azi”. كوربيه أثر بي كأول فنان اشتراكي، رسم الناس البسطاء بالمعامل او هؤلاء الذي بنوا الشوارع. كان يحب رسم الناس البسطاء.
معرضك الاخير “فارس رحال” الذي كان معرضاً استرجاعياً شبه شامل أقيم بالتوازي في صالة العرض بأم الفحم وفي متحف عين حارود. لماذا وقع الاختيار على هذه وليس على صالات او متاحف بمركز البلاد؟ كيف كانت ردود الفعل التي وصلتك؟
ام الفحم وعين حارود هي أماكن معتبرة، وأي فنان يسعى الى تثبيت مكانتة يجب أن يكون لديه معرض في متحف عين حارود، ثاني اهم متحف بإسرائيل لأنه بقيم معارض كبيرة وضخمة مع أبحاث. كان من المخطط بأن تكون هناك حملة تسويقية شاملة ولكني اوقفتها عندما بدأت الصحافة تتصل وتسأل كيق يقيم فنان درزي معرضاً بهذا الحجم. انا اريد بأن يسألونني كفنان، أن يسألونني لماذا أتعامل مع رسامين من هذا النوع. عندما يحصل تسيبي جيفاع على جائزة او جربوز لا يكتبون الفنان البولندي. هل يعتقدون بأن لدي ذيل. لم أعرف حتى مؤخراً بأن “غوار” (أي دريد لحام) كان مسيحياً وكذلك صباح. ماذا يؤثر ذلك على العمل الفني نفسه؟ الانشغال بهذه الامور يدل بأن هناك خلل ما فلا مكان لهذه الاسئلة. لم اعد ارد على اتصالاتهم. قبل سنوات طويلة “بمحانيه” أعدت تقريراً موسعاً عني كان عنوانه “אל תקרא לי דרוזי, תקרא לי צייר”، مما أثار ثورة صغيرة ضدي هنا في البلد ولكن ببساطة لا أعتقد بأن هناك علاقة.
الآن أعمل على معرض جديد سيقام بشهر 11 بجاليريا الفرد وكيبوتس بئيري ومتحف برعام، بثلاثة أماكن. في شهر أبريل او ايار سأشارك في معرض جماعي بجاليري الزاوية برام الله.
هل هناك أعمال تعتقد بأنها مميزة او لديها معزة خاصة؟
لا يوجد لدي أعمال مفضلة. أعمالي خلاصة تفكير، مقولة فلسفية، وليست عمل بحد ذاته. لكي يتمتع فيه المشاهد يجب أن تكون لديه خلفية نظرية عنه. ممكن ان يلتفت المشاهد للتزيين ولكن يجب ان يعرف الكثير من الامور لكي يتمتع أكثر، يجب أن يعرف بأن هذه اللوحة رسمت على خلفية لوحة لفنان كذا وبأن قصة اللوحة كانت كذا وكذا، يجب أن يفهم لماذا رسمت هذه القصة بالذات. انا استغل روايته لكي اصل الى روايتي انا من خلالها، وإذا لم يعرف المشاهد الرواية الاولى فلن يأخذ من العمل كل ما يمكن ان يأخذه.
اعمالي بعد أن انهيها ممكن ان تنتظر سنتين حتى اوقع عليها. لا اوقع حتى اقتنع مئة بالمئة بأن العمل جاهز. الأعمال الأخيرة التي انجزتها بالخمس شهور الاخيرة ممكن ان اتنازل عنها لو قيل لي عليك اختيار الأعمال التي تأخذها معك. بالفترة الاخيرة لا رغبة لدي في الرسم، لست أدري ان كنت اريد ان أرسم بعد! “مفيش نفس”.
ما رأيك بالمشهد الفني الإسرائيلي مقارنة بالفن الفلسطيني بالداخل؟
لا توجد مقارنة. الفن الاسرائيلي هو تكملة مباشرة للفن الاوروبي وله صلة عميقة جداً بالفن الامريكي المعاصر. كثير من الفنانين الاسرائيليين تعلموا في الخارج، في لندن ونيويروك، ولهذا تأثير كبير على تشكل الساحة الفنية. الفن الاسرائيلي ادراكي، “مخي”، اما الفن الفلسطيني فما زال في البدايات. فقط الآن بدأت تتشكل ظاهرة تشكيلية بالإمكان الحديث عنها- الشباب الذين تعلموا في كندا وبرلين والخ والذين يرسمون فن ما بعد معاصر تقنياته هي قسم من ذاته ان كان الخلط بين التصوير الفوتوغرافي، الرسم “الرياليستيك” والتجريدي، خلط عدة لغات تشكيلية ضمن اطار واحد. أما عامةً فالفن الفلسطيني بمعظمه ما زال سردياً وكأنه “illustration” وكأن كل لوحة كانت قصة وصارت لوحة. هذا ما كان بالغرب في القرن الثامن عشر. لا توجد قصة سردية لدى الفنانين الغربيين بينما لدينا فالتراب يابس ومشقق وتخرج من قلبه وردة حمراء لان شهيداً قتل هناك. كلها سرديات بالإمكان كتابتها بقصيدة!
اذاً لم يكن هناك فناينن فلسطينيين تأثرت بهم؟
ربما الكلاسيكيين أمثال اسماعيل شموط الذي عمل نقلة نوعية، من صورة الى رسمة، ونحن ما زلنا نعيش الحالة الفلسطينية والناس المشردة كواقع. من بعده هناك فنانين مثل عبد ونبيل وتيسير. ولكن هذه الحركة التشكيلية لا تضاهي الاسرائيلية بصراحة فهم يسبقون بسنين طويلة. التجربة الفلسطينية بالفن المرئي لم تبدأ بعد مسيرتها الحقيقية. اليوم هناك تجارب مثل تجربة سماح شحادة، ميخائيل حلاق، انيسة أشقر، حنان ابو حسين، رائدة سعادة، رائدة ادون، منى حطوم واميليا ابو جاسر. هذه هي التجربة الحقيقية برأيي. تجربة الآخرين، بما يشمل شموط، منقطعة كلياً عن هذه التجربة الجديدة، تكملة المشوار لم تكن امتداداً لهم. واحدة من مشاكلهم “انه ويلهم كانوا بدهم يعملوا فن وويلهم بدهم يعبروا عن مأساة شعبهم”. التجربة الجديدة في المقابل هي بداية التجربة للفن الفلسطيني المعاصر. الاوائل كانوا عصارة الفن الفلسطيني ولكنهم كانوا البدايات وتجربتهم ما زالت محدودة جداً، في التراثيات- الانسان الفلسطيني، اللباس، المنظر الطبيعي، الحيوان والتقطيع بينما ايميليا تضع الكاميرا في محفظتها وتحاول ان تقطع الحاجز وتوثق كل شيء بالفيديو فيصبح المشاهد وكأنه يعيش هذه التجربة. عمل سليمان منصور مثلاً “جبل المحامل” هو عمل ممتاز ولكن مكانه في ال- 1920 مع ريفيرا، فن اشتراكي اجتماعي. التجربة الفلسطينية ما زال مستقبلها أمامها وباعتقادي سيكون ذلك من خلال التجربة الاسرائيلية فحتى سليمان منصور، عميد الفن الفلسطيني، تعلم في كلية الفنون “بتسلئيل”.
روابط هامة:
صفحة أسد عزي الشخصية على موقع بيت بيرل (يشمل السيرة الذاتية بالعبرية)، هنا.
روابط أخرى:
האמן הדרוזי אסד עזי: פרש בודד שמחפש ממלכה، هنا.
Bacchanalia Dionysian Aspects as symbols of Otherness in the Artwork of the Painter Asad Azi, Nava Sevilla Sadeh، هنا.
The photographic memory of Asad Azi, Tal Ben Tsvi، هنا.
مرفقات هامة:
كتاب معرض “فارس رحال”