Back to all Post

حوار مع الفنان البصري محمد صالح خليل

أجرته: نسرين عوّاد

محمد صالح خليل: مواليد الأردن 1960

بدأت موهبتك الفنية بالتفتح مبكراً في مرحلة الطفولة، ومنذ ذلك الوقت اخذت هذه الموهبة مسارات مفصلية؛ هلا حدثتنا عن هذه المرحلة وأهميتها في مسيرتك الفنية؟
نشأت وتربيت في عائلة ذات توجه يساري تحديداً انا وأخي الكبير عادل ، والدي كان مناضل وثوري وأعتز به بالرغم من أنه فقير ماديا، فهو من الطبقة التي يتم استغلالها في النضال والبعيدة عن طبقة القرار والمكاتب الفاخرة، فوالدي كان لدية كراج ميكانيك سيارات صغير جداً في جنوب لبنان حيث التضاريس الطبيعية القاسية وعندما كانت يتعرض الكراج للقصف كان والدي يتغيب بالاشهر عن البيت. كوننا انا وأخوتي وأمي كنا نقيم في العاصمة السورية دمشق.
بالرغم من انني في طفولتي تدربت في معسكرات اشبال حركة فتح وترعرنا في مخيمات فتح، ولكن مع تشكل الوعي السياسي في فترة المراهقة اصبحنا نتجه نحو الفكر الشيوعي والماركسي ونبحث عن رفاق سوريين، وهذا كان بسبب تأثير والدي الذي أصفه بالقدائي المقهور، بالرغم من ذلك فقد كان متنوراً الف كتابين الأول عن الصهيونية، والكتاب الثاني عن قريته الاصل “الولجة” في الداخل الفلسطيني المحتل، كما كان يعشق الكتابة عن الكنعانيين والتاريخ القديم.
أما أهم عامل مساعد لي في توجهي نحو الرسم فقد كان في مرحلة الثانوية في الشام، هناك حيث كنت أدرس كان لي استاذ أحبني جدا وهو استاذ “عبود” عندما اكتشف أنني يمكن ان اساعده كثيرا في المعارض السنوية المطلوب من المدرسة تنفيذها، لذلك كان يحبني كثراً لدرجة أنه كان يسرقني من باقي الحصص الى مرسم المدرسة.
كان استاذ عبود يعطيني الثقة بالنفس الدعم المعنوي.. كان يقول لي دائماً ” انت راح تصير اشي” كنوع من الإطراء على الرسومات التي انفذها في معرض المدرسة.

التصادم مع الوالد:
تشجيع استاذ عبود الكبير لي في الرسم جعلني اهمل في باقي دروسي ورسبت في احد صفوف المدرسة، ما دفع بوالدي التضييق علي، ومنعي من الرسم كعقاب لي، تراكمت المشاحنات بيننا حتى اضطررت الى الهرب من البيت وتوجهت الى معسكر الاشبال لحركة فتح في ضواحي دمشق، حيث يتوفر فيه اقامة ومبيت، وتركت الدراسة و بقيت هناك عامين تقريبا .
في مخيم الأشبال اذكر ان مدير المعسكر التفت الي مبكرا وتلقفني وكأني هدية من السماء وجعلني ارسم على كل جدران المعسكر الذي يتسع تقريبا ل 10 الاف طفل، طوال العامين الذين قضيتهما هناك وأنا احمل دلو الالوان وارسم تحت أشعة الشمس وكنت سعيد جدا.
بعد العامين عدت الى العائلة بعد أن حل الخلاف مع الوالد ووعدت والدي بانهاء الثانوية العامة، وفعلا نجحت فيها.

منحة الدراسة في ألمانيا:
بعد انهائي للثانوية العامة مباشرة طلب مني والدي، حمل مجموعة من لوحاتي لاننا سنكون على موعد مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في بيروت، وبالفعل توجهنا هناك، وعندما شاهد أعمالي وتحديدا “لوحة شهيد محمول على الاكف ووراءه عدة أقواس وضوء صغير في النفق” اسماه بأسم “الامل” حيث كنت استنسخ مفردات وأقوم بتركيب اللوحة فسالني الرئيس الراحل آنذاك مباشرة ماذا انهيت من الدراسة؟ فاجبته بأنني لا زلت في الثانوية فوعدني ابو عمار انني بمجرد انهاء دراستي سيتم ابتعاثي الى أي مكان اريد في العالم لدراسة الفنون.
فعلاً بعد إنهائي الثانوية العامة عدنا مرة اخرى عند ابو عمار فسألني اين تريد أن تسافر فأجبت ودون سبب المانيا .. ليوافق مباشرة على سفري وفعلاً حصلت على منحة لدراسة الفنون في المانيا في عام 1981.


Mohammad Saleh Khalil working at the International Art Colony, summer 2018. Photography by Amir A. Abdi.

مرحلة الدراسة في كلية “درزدن”- المانيا:
كانت مرحلة دراستي فيها من أجمل وأهم وأعمق المراحل التي مررت فيها، على مستوى المبنى من أجمل المباني التي يمكن مشاهدتها، اما نظام التدريس، فقد كان مميزا ويختلف عن اساليب التدريس المتزمتة والمتشددة التي انتشرت في الاتحاد السوفيتي، فعلى النقيض كنا نحظى بحرية عالية وكليتي كانت تهتم في صقل مشروع الفنان وليس بمهارات الفنان فقط.
هلا حدثتنا عن مشروع تخرجك من كلية درزدن للفنون في المانيا؟
استند مشروع تخرجي على قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش وهي “مديح الظل العالي” ، ففي دراستي في السنة الرابعة زودتني الكلية بمرسم خاص، خاصة أنني سأبدأ بالعمل على مشروع تخرجي، وفي عام 1986 وصلني كاسيت لمحمود درويش عليه قضيدة مديح الظل وكانت مسجلة من حفل في الجزائر وبقيت لفترة طويلة لا اسمع اثناء تواجدي في المرسم الا هذا الكاسيت وهذه القصيدة فعشقت صوت محمود درويش وطبقات صوته.
انا بالأصل تخصصت بالكلية بالرسم، ولكن اثناء دراستي شاهدت العديد من المعارض وفي مرة من المرات شاهدت معرض لاحدى الخريجات حيث كان مشروعها عبارة عن جرافيك واشعار لمايا كوفسكي واعجبت جدا بتجربتها وفكرتها خاصة ان التنفيذ مميز وهو “الشاشة الحريرية على شكل كتاب”.

وفي الصيف عندما طلبت مني البرفسورة تقديم تصور عن مشروع تخرجي، قمت بتسليمها ما يقارب ال 20 اسكتش قمت بعملها عن قصيدة مديح الظل العالي وعندما دخلت البرفسورة على مكتبي وشاهدت الاسكتشات على طاولة الرسم تفاجأت واعجبت جدا بها، وعندما سألتني ما هذا؟ كنت متردد بالكلام فقلت لها انني افكر بعمل مشروع التخرج على الية الحفر على الزنك وأخشى أنك لن توافقي، الا ان اجابتها فاجأتني حيث وافقت مباشرة وسالتني عن باقي التفاصيل.
يوم الدفاع عن المشروع امام لجنة التحكيم:
طقوس الدفاع عن مشروع التخرج في الكلية هو توافد جمهور من الطلاب والاساتذة والمهتمين والمحبين، بالاضافة الى الاسئلة التي يوجهها الاساتذة للفنان، وبعد ذلك يخرج الحضور خارج القاعة، ويبدأ الاساتذة بالمداولة أحيانا كان الاساتذة يتشاجرون، وأحياناً كان يستغرق نقاش اللجنة نصف ساعة تقريبا.
اما أنا وبعد ان قدمت مشروعي فقد كانت مدة المناقشة والمداولة للجنة بعد خروجنا من القاعة، اقصر من مدة توليع السيجارة، لتفتح اللجنة الابواب ويدعونا للدخول مرة أخرى .
ليأتي تقيمي كالتالي من قبل اللجنة وهو: علامة الامتياز بتفوق، ما دفعني للتوجه نحو برفسورتي وتقبيلها وهو فعل غريب على المجتمع الالماني .

أما مدير الكلية فطلب أن يتم مشاركة مشروع تخرجي كممثل عن الكلية في معرض كبير للكتاب وهو ما يعد شرف كبير، وبعد اسبوعين وعند توزيع الشهادات بشكل رسمي كانت المفاجأة آنذاك كبيرة بحصولي لاول مرة ميدالية “هانز جارندش” للأعمال الفنية الفوق مبدعة، لأكون أول شخص يحصل على هذه الجائزة.
هذا بالاضافة الى اصرار الكلية آنذاك على الحصول على 20 نسخة من الكتاب وليس 15 كما هو الاتفاق، ووافقت على هذا العرض مقابل تبرع الكلية لي بصناديق محملة بالمواد الخام للفنون من ورق وقماش والوان وحتى ماكينة حفر؛ الا انني رفضتها بسبب ضيق المساحة في بيت العائلة، واكتفيت بالالوان والفراشي والقماش، وبقيت معي الألوان لاكثر من 20 عام، تبرعت بآخرها لفنان من حمص في سوريا في اوائل التسعينيات.
ضياع نسخ مشروع التخرج:
هناك شخص خدعني بأخذه نسخة من مشروعي ووعدني انه سيقدمه لمحمود درويش، كما أهديت كتابا للحزب وايضا متحف المخطوطات في المانيا، والمكتبة السكسونية في دريستن، والمكتبة الألمانية اشترت نسخة، كما اشترى صديق اردني لي لم يكن مهتما بالفن نسخة من المشروع، وآخر نسخة بقيت عندي استعارها مني اكثر من شخص، بعد عودتها لاكثر من مرة الي بعد ضياعها، قررت ببيعها لمتحف بنك فلسطين للفنون في بيت لحم مقابل 7000 الاف دولار.

من هم أكثر الفنانين الفلسطيينين الذين تأثرت بهم في تلك المرحلة؟
عندما اجريت مقابلة القبول للدراسة في الكلية سُألت عن اكثر الفنانين الذين اراهم قدوة لي، فأجبت في وقتها بانني احب أعمال الفنان التشكيلي اسماعيل شموط وعندما طلبوا مني مشاهدة بعض اعماله، تفاجأت بأن الاساتذة لم لم تعجبهم أعماله، لاحقاً وعندما تقدمت بالدراسة بدأت أنا ايضا باكتشاف نفسي، وتغير موقفي من اسماعيل شموط وأعماله.
بعد ذلك اعجبت جدا ببكاسو وأصبحت اخشى وأخاف من أن ارى لوحاته، لانني كلما شاهدت له عملا اغرق فيه اكثر وخفت أن يلتهمني، واصبح بيكاسو صغير.
أما أول لقاء مع لوحة أصلية لبكاسو فكان عندما سافرت الى باريس في عام 2000، ووقفت امام لوحة اصلية له في متحف بيكاسو ،تقريبا كنت سأبكي من هول الجمال!
العودة الى سوريا.. ورحلة البحث عن الأسلوب:
أول معرض فردي لي بعد عودتي من ألمانيا كان في عام 1989، في قاعة ناجي العلي في دمشق التي كانت بإدارة الفنان مصطفى الحلاج، ولم يكن يعرض لأي فنان وانما كانت له معاييره العالية والصعبة.
بالرغم من صغر عمري الفني وقدومي الحديث من المانيا وبالرغم من وجود العديد من الفنانين في مخيم اليرموك وفرع اتحاد التشكليين الفلسطينين في سوريا آنذاك كان يعد من أكثر الفروع نشاطاً، إلا انني عندما زرت القاعة وقدمت نفسي لمصطفى الحلاج وعرضت عليه بعض اعمالي وتحديدا مشروع التخرج.. اعجب كثيراً واندهش جداً ولم يناقشني وانما طلب مني مباشرة أن ابدأ بالعرض، وفعلاً افتتحت المعرض وزيرة الثقافة السورية آنذاك نجاح العطار.
ما هي اكثر الاسئلة التي عادة ما تقض مضجع الفنان محمد صالح خليل حول مسيرته الفنية؟
لا يوجد لدي ثيم واحد أو موضوع محدد، مثلا الفنان نبيل عناني يرسم عن القرية وعن الثوب .. الخ وجميعها مواضيع تندرج تحت خانة واحدة، وكذا الحال مع الفنان رأفت اسعد المهتم بالمشهد الجغرافي.. الخ أما أنا فمشكلتي هي صراعي الفلسفي، هل أنا فنان فلسطيني أو انا فنان عالمي اشمل واوسع؟ هل ارسم لفلسطين فقط أو ابدع للانسانية بما فيها فلسطين قضيني؟ بالتالي تجدني اتذبذب بين خارج القضية وداخلها عندي مشكلة الاحساس العالي الذي يجعلني لا استقر بمنطقة.

معرض اباحي أم عن هندسة الجسد في عام 2006؟
ضمن رؤيتي الفنية أنا ارسم ليس فقط بالمعني الانساني والنضالي والحقوقي، وانما ارسم بالمعنى الجمالي ايضا وهنا ارسم الجسد وجمالية الجسد، وهذا دفعني لتذكر معرضي الفردي هندسة الجسد في جاليري المحطة في مدينة رام الله عام 2006، وهو تفرد من طرفي فانا الفنان الفلسطيني الوحيد ربما الذي انتج معرضا كاملا للجسد وعن الجسد بدون مواربة، حتى ان بعض اللوحات تم اخفائها عن العموم.
أذكر أن احد الحضور للمعرض اعجب جداً بالأعمال ولكنه قال لي أنه يرغب بشراء لوحة ولكن لا يعرف اين سيعلقها؟
آخر معرض انجزته في 2017 في مدينة القدس تحديدا في مؤسسة المعمل و هو معرض “يوميات” وايضا تضمن بعض لوحات الجسد بالاضافة الى مواضيع أخرى.
هل تساءلت يوماً لماذا بعض الفنانين من جيلك تقريباً حصلوا على شهرة اوسع بكثير مما حصلت عليه وقمت بمقارنة تجربتك مع تجاربهم؟
طبعا الغيرة في الفن شيء ايجابي وتحفز الشخص على العمل اكثر والنحت في الصخر ، مثلا أنا اغار من الفنان حسني رضوان، ولكن لا اغار من سليمان منصور لانه لا يشبهني، فهو ليس انا وهذا ليس عالمي ، مقارنة بحسني رضوان الذي يشبه عالمي.
في ثقافتي الفنية اعرف أن تصفيق الجمهور ليس بالضرورة شهادة تقدير بحق الفن والفنان، لأن هذا يدفعني الى سؤال الجمهور ومن هو الجهور وما هي توجهاته.. الخ؟ بالتالي ليس بالضرورة ان يكون بيع لوحة من لوحاتي بمبلغ مالي معين مؤشر حقيقي على قيمة عملي، فاللوحة الحقيقية هي التي ستصمد مع الوقت!
ما هي مساحة اللوحة التي ترسم عليها عادة وما هي علاقتك بالمفردة اللونية ؟ هل ترى نفسك محباً للبناء التدريجي للون على اللوحة؟
عندما اختار حجم اللوحة يكون عشوائيا والحجم هو الذي يملي علي ما يجب أن ارسمه، خاصة أنني لا ادخل المرسم بنية مسبقة لرسم أي موضوع، ادخل الى المرسم كوظيفة لفنان محترف يومياً من الرابعة وحتى ال 12 ليلا.
انا من الشخصيات القلقة لدرجة أن المتلقين عند مشاهدتهم للوحاتي يعلقون بالدفق المشاعري العالي على اللوحة واللون وضربة الريشة العريضة والشرسة، انا حتى اليوم اعتبر نفسي مجرب حتى وانا على مشارف الستين، لدرجة أن هناك من ينصحني بضرورة الانتهاء من مرحلة التجريب. ارى نفسي بأنني غير مشبع من التجريب كل ما كبرت بالعمر اصبحت ضربة ريشتي اعرض، وكلما مرت السنين اشعر بجنون اكبر امام اللوحة ربما بسبب احساسي بان الوقت المتبقي غير كافي ..
الحيرة بين التجريد والتعبيرية:
اتنقل كثيرا في اعمالي بين الاسلوب التجريدي والتعبير ي، وهذا التنقل ليس بمصلحة الفنان، ولكن للاسف لا استطيع ضبط نفسي، تجدني قلق جدا فمرة ارسم تشخيص ومرة أخرى ارسم تشخيص قريب للواقع ومرة تشخيص فيه شحنة تعبيرية كبيرة ومرة اذهب باتجاه التجريد وكل يوم أدخل المرسم يلاحقني سؤال امام اللوحة البيضاء.. واشعر انني امام مفترق طرق .
عند عودتي الى فلسطين بعد توقيع اتفاقية اوسلة أقمت في بيت ريفي قضاء مدينة رام الله، في تلك المرحلة من حياتي انبهرت في الطبيعة الفلسطينية وكيفية تغير الاضاءة من الصباح حتى الظهيرة وحتى المساء، وفي مختلف فصول السنة هذه التغيرات دفعتني للذهاب باتجاه المدرسة التجريدية خاصة انني اصبحت ارى الطبيعة وعناصرها ككتل ضوئية ولونية وعملت فترة طويلة في تلك المرحلة على التجريد وانتجت العديد من الاعمال.
في عام 200 عندما حصلت على اقامة فنية في باريس وأيضا في حينه اندلعت الانتفاضة الثانية ما شحن عواطفي مرة اخرى فاصبح التجريد بالنسبة لي كأنه رفاه بغير اوانه، فعدت الى رسم البوتريهات القاسية وانتجت هناك ما يقارب ال 30 بورتريه تعبيري قاسي .. بالالوان وضربة الريشة المليئة بالتوتر والعنف.
المدرسة التعبيرية قوتها في انها تشحن العاطفة وليس كالتجريد الذي يدفعك كفنان للتعامل مع التشكيل بشكل اساسي بعكس التعبيرية التي تتعامل مع الفنان كانسان متفاعل في مجتمعه.
التزامك بالمدرسة التعبيرية في معظم أعمالك الا ترى أنه ابعدك قليلاً عن الجمهور مقارنة بزملاءك الذين اتجهوا نحو الواقعية والرمزية؟
انا جمهوري تقريبا غير موجود، وهذا لا يزعجني ابدا قمثلاً “اذا قال لي أحدهم أن اعمالك لا تروق لي فانني لن انزعج ابدا من التعليق” لانه بنظري مش ضروري يكون معجب باعمالي.
كيف استطعت أن تتقبل هذا الوضع بمعنى كيف هذبت “أنا” الفنان؟
انا لا بحث عن الجماهيرية، لو كل الناس اعجبوا بأعمالي في مجتمعنا وفي الثقافة البصرية الموجودة سيكون اهانة لي ولمسيرتي الفنية!
هل تعتقد ان التزام الفنان بالقضية الفلسطينية والتيار الواحد حد من ظهور ذاتية الفنان بوضوح في أعماله؟
نعم صحيح تجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة اخذت الفنانين التشكليين بعباءة السياسة وأصبح السياسي وصي على الفنان وأصبح كل الفنانون يعزفون على وتر المايسترو الواحد وهو القائد السياسي برأيي القضية الفلسطينية أضرت بالتطور الطبيعي للفن التشكيلي الفلسطيني.
ولكن خدمت القضية الفلسطينية باتجاه أن الفن اصبح مسيساً واعطت الفن زخم بالمحتوى السياسي واصبح يشار الى الفنان الفلسطيني بأن اعماله جيدة ولكن من ناحية المحتوى الكفاحي والمضموني، ولكن كفن افقتد الى الكثير من الجماليات البصرية افتقد الى المشاهد الطبيعية مثلا.
بعد اوسلو 1993اصبح يظهر تنوع بصري لدى الفنا،ن حيث اصبح الفنان يرسم اللاند سكيب العري الجمال الذاتي .. فالمعارض الفنية الفلسطينية قديماً امتلأت بالدم والصريخ والعويل، مقارنة بمعارض اخرى التي يمكن أن تتحدث عن الحروب ولكن تجد فيها مفراد بصرية اخرى.
ما هو تعريفك للجمال.. خاصة أن كثر من الفنانين يحاولون اظهار جمال البشاعة؟
السذاجة بالجمال لها علاقة بسذاجة الثقافة وعدم الإطلاع الفكري فتصوير الجمال على ذات معايير الانسان العادي تعتبر سذاجة، وأنا كوني ابن المدرسة التعبيرية اطلعت مبكرا على موضوع الجمال بمعايير غير تقليدية، يعني لوحات العديد من الفنانين التعبيريين لا يمكن أن ترى فيها أي من معايير الجمال الساذجة التي نتعامل فيها في الشرق، وانما تجد اللوحات جميلة بطريقتها الخاصة بمفهومها الداخلي وتفاعلاتالالوان فيها، فكثير من الفنانين التعبيرين استعملوا مفهوم القبح في علم الجمال واعتبروه نوع من انواع الجمال، فكيف نوظف القبح في الاعمال الفنية وبنفس الوقت يكون جميل.. هذا هو السؤال.
هل شعرت في مرحلة معينة في حياتك الفنية أن مصدر الابداع لديك ممكن أن يجف ويختفي؟
انا كل يوم خائف، ولكن ليس من الافكار وإنما من الاسلوب، الفنان هو اسلوب بالنهاية، الفلاسفة يقولون بان الاسلوب هو ثقافة الفنان وهناك كثر من الفنانين الذين يجدون طريقهم نحو اسلوبهم من البداية، ويكون عملهم اصيل وهناك فنانين آخريين مثلي ليس بالموضوع وانما كيف سيتحدثون عن الموضوع.

تكوين اللوحة، لماذا لا يوجد مساحات بيضاء في لوحتك وهي محكمة من الزاوية للزاوية؟
الاحظ ذلك في اعمالي عدم وجود المساحات البيضاء أو المساحات الفارغة، ولم اجد حتى اللحظة العنصر الذي يمكن أن أضعه ضمن فراغ، ولكن في الفن المعاصر يوجد هذا التوجه حيث يمكن أن ترسم أي عنصر وتتركه لوحده في الفراغ الا انني حتى هذه اللحظة لم اطبقها ولكن في المرحلة القادمة سأقوم بتجريب ذلك.
هل يوجد عمل فني ضمن مجموعاتك قررت عدم بيعه ولماذا؟
أنا من رأيي ان العمل الفني خلق ليشاهد ويعرض ومن ثم القيام بشراءه، يوجد لدي لوحة تجريدية بالبيت الكثير من الاشخاص رغبوا بشرائها، الا ان زوجتي واولادي يرفضون بيعها حيث تقف زوجتي بوجه الضيوف في كل مرة وتخبرهم ان العمل ليس للبيع.
ما هو أكثر سؤال يستفزك حول اعمالك الفنية؟
عندما يسأني احدهم عن معنى اللوحة أو اشرحلي، أشعر انني اريد مغادرة القاعة فورا، اذكر انني كنت بصنعاء في اليمن ومشارك بمعرض الفن العربي وكان وزير الثقافة اليمني احد الحضور، فعندما اخبره احدهم انني فنان فلسطيني توقع ان يشاهد الرموز في اعمالي، فبدأ بالنظر الى البروتريهات وقالي لي “اشرحلي” ، وانا لم اجد ما اقوله فاكتفيت بالصمت.

Copyright International Art Colony © 2016-2024. All Rights Reserved

A Project By InterKulti Association For The Promotion Of Intercultural Dialogue

Privacy Policy / Terms of Use / Contact Us