Back to all Post

حوار مع الفنانة البصرية بثينة ملحم


مواليد عرعرة – فلسطين 1961
أجرته نسرين عوّاد

لسنوات كنت تظنين أن لا موهبة فنية لديك لتأتي فرصة واحدة وتكشف ما لديك من مكنون فني وإبداعي .. هلا حدثتنا عن هذه الفرصة؟
في العام 1994 كنت اعمل كمربية للأطفال في مراحل الطفولة المبكرة وكنت أسعى الى تطوير قدراتي بهدف تمكيني في عملي مع الاطفال، وحينها تم الاعلان عن دورة مبكرة في الفنون البصرية في بلدتي عرعرة وكانت الورشة في حينه شيء غريب وجديد، وعندما قررت الإلتحاق بها كانت مفاجأة كوني لا أذكر انني مارست أية هوية فنية حتى حينه.
وعندما علمت عن الدورة والمدرب فيها سيكون الفنان البصري فريد ابوشرة شدني ولفت انتباهي، وفعلا التحقت في الدورة فقط على اساس أن اتطور في عملي كمربية في الطفولة المبكرة ، مدة الدورة كانت ستين ساعة لم استطع بعدها أن اترك ما بدأته بسبب الشغف والحب الذي تولد بداخلي اتجاه الموضوع.
أذكر ان عدد الزميلات اللواتي التحقن في الدورة كن تقريباً ثلاثين امرأة ولكن اللواتي واصلن وبقين في الدورة حتى نهايتها تقريبا ست زميلات، من هنا ادركت أن الميول الفنية كانت موجودة لدي ولكن باللاوعي ولم تعبر عن نفسها بسبب الظروف التربوية الثقافية والاجتماعية.
ما هي أولى الممارسات الفنية البصرية التي بدأت بتنفيذها بعد تخرجك من هذه الدورة الفنية؟
بدأت مباشرة بعكس ما تعلمته بمحبة على الاطفال، واحاول ادخال كل انواع المواد الخام واساهم في انكشاف الاطفال على فنانين وحتى على معارض فنية، واذكر انه أول مرة اقيم معرض فني في دار الطفل العربي كيف تفاعل الجمهور معه،حيث نظم لنا نحن النساء الخريجات من الدورة معرض جماعي وقمنا بدعوة اهالينا واصدقائنا وكان لافت للانتباه آنذاك التفاعل وردود الفعل من قبل الجمهور.
بعد تخرجك هذه الدورة الفنية توجهتي الى معهد أكاديمي في الفنون البصرية واكملت الدراسة لما يقارب الثلاث سنوات.. هلا حدثتنا عن هذه الفترة؟
هذه المرحلة جعلتني أكثر نضج ووعي من الناحية الفنية البصرية، حيث بدأت أكون اكثر معرفة بالتقنيات والخامات وأصبح لدي وعي معرفي اعمق في المسار ، وبدأنا بالاحتكاك بفنانين بصريين وزيارة جاليريات ومعارض، أيضاص الدراسة في الكلية اعطتني فرصة عرض اعمالي في مناطق مختلفة ولشرائح مختلفة من الجماهير.
كيف بداتي بالكشف عن اسلوبك الفني البصري الخاص الذي يمتاز بالتركيب والعمل على خامات الخيوط والقماش والدبابيس؟
أنا بدأت كأية طالبة فنون بالتقليد واستخدام المواد الشائعة الالوان والقماش، ومنذ ذلك الوقت التفت الجميع الى ما يميزني دوناً عن غيري فهناك خط مميز وهناك دائماً بصمتي الخاصة.
بعد ذلك وعندما بدات باستخدام خامات مثل الاكرليك والفحم بدات الاحظ بصمة يدي، في عام 2000 عندما بدأت باستخدام بالقماش والخيوط والدبابيس وجدت نفسي استخدم ذات الاسلوب الذي يمزني ومن هنا بدأ اسلوبي الفني بالنضج والقولبة.
نعود قليلا للقاءك الاول بالخامات والوسائط التي تعملين عليها في أعمالك الفنية البصرية وهي الخيوط والقماش والدبابيس، نود ان نعرف المرة الاولى وكيف تطورت وصولاً للمرحلة الحالية؟
نحن بالعادة نرسم على القماش باستخدام الوان الاكرليك والزيت، ولكن وقع عملي مختلف حيث كان بحوزتي فستان لجدتي وأنا احبها جداً وكنت احتفظ به واريد أن اعمل به شيء، آنذاك الكثير من الافكار التي دارت برأسي، إلى ان جاءت فكرة قيامي بقص القطع المطرزة من هذا الثوب، وبالرغم من صعوبة الفكرة الا ان هناك دافعاً خفيا بداخلي كان ينبئني بان الامر سيكون رائعاً.
من هنا بدات بأخذ القطع المطرزة وصنعت منها فساتين اخرى، وهو ما يشبه الولادة من فستان جدتي وانتاج فساتين اخرى.
عندما بدأت باعتماد هذه المادة الخام كوسيط فني واعدت استخدامه لايصال رسالة وفكرة .. كم من الوقت استغرقك هذا البحث حتى يتطور الى الرمزية والمضمون الذي يحمله؟
استمر الموضوع برأسي تقريباً سنتين، حيث كنت اقلب القماش لساعات، وفي عام 2000 قررت أن الفكرة نضجت وان هذا مجالي واستاذي فريد ابو شقرة المعلم والداعم، ساعدني وشجعني بالاستمرار بالفكرة خاصة بأنها نابعة من داخلي لذلك النجاح سيكون مصير هذاالفكرة، وفعلا اول ثلاث فساتين عملتها بحجم كبير وادخلت الكتابة عليها تحدياً عبارة: “جدتي كحلت عيناي بجمال اثوابها”، هذه الجملة التي لفتىت انتباهي وشدتني من بين الكثير.
هل كنت حريصة بالتميز والابتعاد عن بعض الممارسات الشائعة والتي لها علاقة بالحفاظ على التطريز الفلسطيني وكيف؟
لا اعلم؛ ولكن يبدو ولان عملي ومشروعي نابع من داخلي، جعله يبدو قويا واضح المعالم، فانا مثلا لم اقم بلصق قطعة التطريز على اية قطعة قماش، والدبوس والخيوط كانت بديل لفرشاتي والواني، وانا لم اقدم المشروع لاية غاية وانما جاء كعمل بحثي بحت.
متى كان معرضك الفردي الأول وحول ماذا كان يتمحور؟
كان في عام 2000 عندما قررت مساري الفني البصري، وكان لدي الثلاثة اثوب كبيرة الحجم التي عملت عليها شاركت فيها بمعرض جماعي.
ما هي العلاقة التي نشأت بينك وبين المواد الخام التي تستخدمينها في اعمالك كفنانة؟
فعلياً الكثير من المواد التي أفكر بها وارغب باستخدامها في أعمالي الفنية، ولكن عندما تأتي مرحلة التنفيذ أكتشف انها لا تخدمني كثيراُ لذلك أجد نفسي مضطرة للبحث عن مواد اخرى.
اما فيما يتعلق بمفهوم الجمال والجمالية للعمل الفني فأنا لم افكر يوما بالجمالية وانما كنت افكر بماذا اشعر ،حتى موضو ع الاقتناء طوال الوقت كنت اقول لنفسي من سيعنى بشراء قطعة فنية مليئة بالدبابيس والخيوط، إلا أن المفاجأة كانت ببيع معظم اعمالي في معارضي الاولى.
إلى أي حد شعرت بأن اعمالك الفنية بجوهرها وكيفية احساسك بها قد وصلت الى المتلقي؟
أذكر انني اثناء تواجدي في معرض من معارضي الفردية في بوستن في الولايات المتحدة الامريكية، كان هناك من يسأل عني، وبدأ الناس بالإشارة إلي واذ بامرأة تحتضني وتبكي وانا متفاجأة تماماً من تصرفها، واذا بها تقول لي كيف شعرت بنخزة الدبابيس وكأنها تنغرس بجسدها ومدى احساسها بي وبأعمالي.
كيف قمت بتطوير وتطويع هذه الخامات الاساسية في أعمالك لخدمة غرضك الفني؟
في البداية كنت أعتمد تماماً على القماشة البيضاء والقطعة التي أطرزها اعمل عليها بالحددود الدنيا من الجمال لان الهدف هو خلق معنى يخدمني، مثلا الإبر والدبابيس هي مستخدمة في أعمالي ولكن اصبحت اتساءل اية ابر وأية انواع دبابيس واية خيوط يجب ان استخدم في أعمال، ولاحقاً بدات استخدم الشمع المذاب في عملي حيث اصبحت اسيطر على درجة غليانه للتحكم بلونة حتى اضع فيه قطعة القماش، وبعد ذلك اقوم بدعك القماش بالشمع ما يضفي عليه مظهر القدم والمستعمل والقريب الى الاصفرار.
كما انني استخدم مواد مختلفة مثل الشاي والقهوة والتوابل في علاج القماش وتعتيقه وبعد ذلك اقوم بالعمل عليه بالخيوط والدبابيس
ما هي المعاني التي اكتسبتها هذه المواد الخام والوسائط القماش والخيوط والابر في اعمالك البصرية؟
عندما بدأت بإنتاج اعمالي الفنية كنت استخدم القطع وأضعها داخل اطار، بعد ذلك بدأت بالشعور بضرورة مغادرة الاطار وان يكون على الاقل مفتوحا وان لا تأخذ شكل تفصيل الثوب، فقطعة القماش تمثل الانسان في أعمالي الفنية بغض النظر عن حجم الثوب فانا كنت اعبر فيه عن الانسان.
هل فكرت بادخال مقتنيات اخرى تستخدمها المراة الفلسطينية في اعمالك الفنية؟
انا قمت بادخال قطع تطريز من مناطق مختلفة ومحافظات متنوعة، والتي بدأت تختلف عن فستان الجدة، ولم افكر بادخال عناصر اخرى، فأنا مثلا انظر الى المواد الخام التي اعمل فيها ليست كأدوات للنساء فالرجل يستخدم الابرة والابرة لها دور متناقض فهي التي تخز وهي التي تعالج في ذات الوقت.
بعد معرضك الأول ما هو أكثر معرض تعتقدين أنه وضع بثينة ملحم في منطقة واضحة على مسار الفن البصري؟
في 2005 كان عندي معرض فردي في صالة عرض في ام الفحم، ومن هناك شعرت باعجاب الكثير من الجماهير من فئات واهتمامات مختلفة بالأعمال البصرية التي قدمتها، وبوجهت لي على اثره العديد من الدعوات للمشاركة في معارض الخارجية في بلجيكا وايطاليا والمغرب والمانيا وبوستن في امريكا والضفة الغربية والقدس.
من عام 2000 لغاية 2018 وانت لا زلت متمسكة بالخامات التي اعتمدتيها الم تخش من نقد بأنك عالقة في مكان ما ويبدو عليك صعوبة مغادرته؟
طبعا يوجد هذا التخوف لدى معظم الفنانين، ولكن أنا لا زلت اشعر بأن لدي الكثير مما يقال في هذا المجال، وحتى اعمالي لا تشبه بعضها البعض ترينها كل مرة بهئية وتكنيك مختلف، ودائماً لدي طاقات كامنة لا زالت موجودة ولن تنضب حتى اللحظة.
ماذا بخصوص بيع الاعمال الفنية ما هي رؤيتك وقناعتك الخاصة في هذا الموضوع؟
لم افكر يوما بأنني اعمل لاجل البيع ؛ انا فقط اعمل ما احب ولم اضع يوما باعتباري غاية البيع بالرغم من تقديري في حال شراء عملي.
الفنانين بمراحل معينة في حياتهم يتابعون اعمال فنية لفنانين ملهمين بالنسبة لهم؛ انت في مجالك وتخصصك من تابعت وبأعمال من اعجبت؟
في البداية كنت احب واتابع أعمال العديد من الفنانين الفلسطينين وأشعر بالسعادة لمتابعتي إياهم، مثل أحمد كنعان ومنار الزعبي التي اعجب كثبرا باعمالها بالرغم من اختلاف الخامات .. وهي في المقابل من المحبات لاعمالي وكتبت عني مادة نقديةجميلة وعميقة.
ما رأيك بالحركة النقدية في مجال الفنون البصرية وهل شعرتي أن هناك مادة نقدية ذات جدوى قدمت في اعمالك؟
أنا لا اذكر انني قرأت مادة نقدية في أعمالي، فطوال الوقت اسمع عبارة أن لدي اسلوبي ومدرستي الخاصة وفي اي مكان نرى اعمالك نعرف مباشرة انها تعود لبثينة، حيث اصبحت لي بصمة يد غير قابلة للشك، وانا سعيدة جدا بهذا الخصوص.
ما هي اكثر الاسئلة التي تستفزك من قبل الناس عند مشاهدة أعمالك الفنية؟
الحقيقة لا يوجد اسئلة مستفزة لي، أنا احاول ان اراقب من بُعد كيف يتلقى الجمهور اعمالي، فاراهم يلمسون أعمالي بلطف بالرغم من أنها تشكهم، ولكن صدقا لا يوجد هناك ما هو مستفز قد سمعته من قبل المتلقين بالرغم من محبتي للاستماع لهم وكذلك لمراقبتهم وهم يقتربون من العمل وكيف يتمعنون في التفاصيل الصغيرة.
ولكن اذكر من الاسئلة التي تتكرر علي: ما هي المدة الزمنية التي استغرقك هذا العمل؟ وعادة اكتفي بالابتسامة.
متى تعرفين ان القطعة الفنية التي تعملين عليها انتهى العمل عليها؟
احاول أن وضعتأملها ها امامي و واغير مكانها ولكن عادة يوجد احساس من داخلي حيث اشعر احياناً انني اذا وضعت خيط واحد سأكون راضية عنه، ولكن بالاساس هناك احساس من داخلي يخبرني بان العمل انتهى.
هل بدأتي بمشروع أرشفة اعمالك الفنية؟
نعم الحمدلله هذا العام انتجت صالة العرض في ام الفحم كتابا مترجما لثلاث لغات وفيه مجموعة من المقالات عني وعن أعمالي وكذلك صور لاعمالي.

هل تؤمنين بوجود فن بصري نسوي؟
لم افكر يوما بأن أعمالي الفنية ماخوذة على نحو نسوي ، فأنا لا افكر فيها من منطلق كوني امرأة وانما فقط من باب ايماني بفكرة ما، فاليوم لم تعد الكثير من المواد الخام حكراً على الرجال دون الاناث، حيث اعتقد ان الرجل والمرأة يجب ان عليهما البحث في المادة التي تشجعهم على القول.
ما هو المكان الذي تحلمي بأن تعرض فيه اعمالك؟
أتمنى أن يكون في فلسطين متحفاً وطنياً لعرض اعمالي، سعدت جدا بإقتناء كل من مقتني الاعمال الفنية الفلسطيني جورج الاعمى وكذلك نعيم فرحات المقتني اللبناني لبعض أعمالي، أيضاً آمال أن تعرض أعمالي في صالة العرض في ام الفحم الذين اقتنوا خمسة من اعمالي الفنية.
خلال مسيرتك الفنية هل شعرتِ في لحظات معينة بقلق الفنان وجدلية لماذا وماذا اعمل؟
طبعا هذه الاسئلة تدور بذهن كل فنان، فمشاغل الحياة وعبئها يجعل من هذه الاسئلة تحاصرك في كثير من الأوقات، ولكن برأيي الذي يعيدك كفنان للوقوف على قدميك هو محبة الناس وتشجيعهم الدائم لك.
ما هي المرحلة القادمة في مشروعك الفني البصري؟
افكر أكثر بالهم الجماعي حيث أتمنى أن يكون لدينا متحف وأن يكون للفنان منا اعمال في هذه المتحف فالفنان الذي يشقى في حياته اقل ما يبحث عنه هو ان يجد من يخلده ويحافظ على اعماله ويحفظها للمستقبل، اما على المستوى الشخصي فانا لا زلت اشعر بأن لدي الكثير مما لم أقله أما على مستوى القماش فأنا افكر بالتجديد من حيث النوع وطريقة المعالجة .
هل يوجد اعمال فنية معينة من اعمالك ترفضين بيعها؟
انا اصر على الاحتفاظ بقطعة او قطعتين من كل مجموعة، فمثلا عندي قطعة من تلك المعالجة بالتراب والتوابل أحب ان تبقى عندي بالإضافة الى تلك القطع التي يوجد فيها تطريز والوان مائية.
الاقامة الفنية في هنغاريا تحت عنوان بلا حدود ما هو تصورك لعملك في أثناء الإقامة؟
بلا حدود بالنسبة لي هو الفكر ، التحرر ان تجعل الطبيعة تأخذك، اعتقد أن العنوان لطيف وواسع وغير مقيد وانا بالتاكيد ساخذ معي خاماتي من خيوط والدبابيس وقماش وشمع لأرى ما الذي سأقدمه.

Copyright International Art Colony © 2016-2024. All Rights Reserved

A Project By InterKulti Association For The Promotion Of Intercultural Dialogue

Privacy Policy / Terms of Use / Contact Us