Back to all Post

حوار مع الفنان البصري كريم ابو شقرة حمزة

أجرته: نسرين عوّاد

مواليد أم الفحم- 1982

أنت من الفنانين العصاميين لم تدرس الفن أكاديمياً بل تعلمته ذاتياً؛ نود أن نتعرف على بداية التفات كريم لموهبته في الفن البصري ؟


الخطوة الأولى كانت في المرحلة الابتدائية من الدراسة، حيث كنت أحيا في تلك الفترة على أجواء وصخب سمعة عمي الفنان البصري عاصم ابو شقرة، بالإضافة إلى اهتمام العائلة بالفنون البصرية، أما اول لوحة قمت برسمها فكانت وأنا في الصف الرابع للمشاركة في مسابقة فنية، لأتفاجأ حينها بحصولي على الجائزة الأولى، هذه اللوحة كانت الشرارة الأولى لالتفاتي لموهبتي الشخصية في الفن البصري، ما دفعني لأخذ الموضوع على محمل الجد، وتخصيص وقت اضافي للرسم. هذه كانت الخطوة الاولى بالإضافة الى الدعم المادي والمعنوي الذي تلقيته من والدتي ووالدي، وتحديداً والدي الذي حثني على ضرورة اكمال دراستي الاكاديمية في مجال الفنون البصرية.

حول ماذا كانت اللوحة التي فزت فيها بالمسابقة وأنت في الصف الرابع الابتدائي وكيف تطورت الامور لاحقاً وصولاً إلى قرارك المبدئي بإكمال دراستك في مجال الفن؟
حسب ما أذكر كانت حول مجموعة الحيوانات التي لا زلت ارسمها حالياً في أعمالي، مجموعات الطيور والعصافير والخيول.
أنهيت مرحلة الثانوية العامة، وتوجهت للالتحاق في كلية متخصصة بالفنون البصرية، ودرست فيها لمدة سنة ولكن للأسف لم أجد نفسي هناك، ولم أجد الذي ابحث عنه في شغفي الفني، لذلك اتخذت القرار بعدم اكمال دراستي الجامعية والعمل بجهد ذاتي على موهبتي الفنية بكل جد، وفعليا أرى قراري بعدم اكمال دراستي الجامعية في الفنون البصرية نقطة ايجابية في مسيرتي الفنية، لأنها دفعتني باتجاه الاصرار والاهتمام ووضع جهد إضافي، حتى أتمكن من منافسة زملائي الآخرين الذين ارتكنوا على الشق الاكاديمي وأهملوا المسار التطبيقي وتطوير الذات.


هل ترى بأن عدم إستكمال دراستك الجامعية في مجال الفنون البصرية حرمك من الحصول على بعض المعارف النظرية في تاريخ الفن البصري وحتى من فرض وجودك في الساحة الفنية البصرية؟


انا أعتقد العكس تماماً حيث لا زلت أرى أن التعليم الجامعي والأكاديمي ربما كان سيتسبب بفشلي في مساري الفني حيث أن نظرتي للفن مختلفة، أنا أنظر للفن بصدق خالص بعيداً عن الشهادات، لو استعرضنا السيرة الذاتية لبعض الفنانين الحقيقيين والذين تركوا اسماً سنجدهم لا يمتلكون الشهادات، ولكنهم امتلكوا الرسالة التي جعلتهم مميزين في المجال الفني، وفي النهاية اقول أنني مؤمن بالقدر ومتعايش معه، وما زلت اؤمن بأنني لو اكملت المجال الاكاديمي ربما كنت سأفشل في المسار العملي.


ليس من السهل تعلم الفن ذاتياً، كيف تقوم بالتعلم الذاتي وتطوير قدراتك الفنية البصرية؟


سابقاً كنت أخوض صراعا داخليا قاسيا في لحظة وقوفي أمام اللوحة وأدخل في تحدي إما أن اكون أو لا أكون، وهذا الصراع دفعني لرسم ذات اللوحة لأكثر من 15 مرة، كما أنني واظبت على زيارة الكثير من المعارض والمتاحف، كما قراءة وشراء الكتب في الفن البصري، بالإضافة الى حالة التأمل العميق التي أبنيها بيني وبين لوحات الفنانين العظام، بمعنى اقوم بتحليل عميق للوحة ومعانيها ومكوناتها .. وكنت دائم التأكيد لنفسي بأن امتلاك فنان ما القدرة على انجاز هذه اللوحة، يعني أنني أنا أيضا قادر على ذلك.


ما هي المرحلة الزمنية التي انطلقت فيها باتجاه تنظيم معارض فردية؟


في الأعوام 2004لغاية 2010 كنت طوال الوقت أقوم برسم لوحات وحفظها جانياً، أكثر من ثمن سنوات دون أن يعرف او يرى أحد لوحاتي ، وأكثر من مرة توجهت لصالة عرض الفنون في أم الفحم لتنظيم معرض فردي لي، ولكن للأسف كان يأتيني الرد بالرفض، لذلك قررت تصميم وطباعة كاتلوج خاص بأعمالي الفنية وبناء عليه توجهت الى صديقة للعائلة وهي حاصلة على الدراسات العليا في الفنون البصرية لكتابة مقالة عن أعمالي لنشرها في الكاتلوج، إلا أنها اشترطت رؤية الاعمال قبل الكتابة عنها، وفعلاً عندما رأتها أعجبت بها وأصبحت أكثر اصراراً على الكتابة عنها، بالصدفة واثناء عملها على الكاتلوج توجهت الى الفنان والنحات احمد كنعان وعرضت عليه أعمالي، وبعد مشاهدته لها تساءل عن سبب اختفائي وقرر ان ينظم لي معرضا فرديا في صالة الفنون في طمرة 2008-2009.
أما حول طبيعة اللوحات التي تم انتقائها للمعرض فقد كانت مجموعة من البورتريهات لعمي الفنان عاصم ابو شقرة، والقسم الثاني كان عبارة عن لوحات لحذاء العامل الفلسطيني حيث كنت اهتم كثيرا برسم احذية العمال الفلسطينيين الذين يأتون للداخل بهدف العمل، فكثيراً ما كنت اضطر لإيقافهم واخذ سكتش واكماله في المرسم.
تلقيت العديد من ردود الفعل على هذا المعرض، بعد ذلك وجهت لي العديد من الدعوات للمشاركة في معارض فردية وجماعية.
أما المعرض الثاني فقد كان في المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي في القدس في عام 2010، وعنوان المعرض كان “ابيض وأسود” وايضا قدم على قسمين القسم الاول كان استكمالا لمشروع حذاء العامل الفلسطيني والقسم الثاني عبارة عن مجموعة من الحيوانات السريالية الرمزية التي تكتظ بها لوحاتي.

 

نجد هذه الحيوانات السريالية الرمزية دائمة الحضور في تكوين لوحاتك من أين أتت وإلى ماذا ترمز؟


جاءت من طفولتي وانا صغير كنت اعشق الخيل وصيد الاسماك والعصافير وحتى ارتباط طفولتي بعيد الاضحى المبارك والاضحية .. لذلك كنت اتأمل في لحظات الموت للأضحية، من هناك ترسخت تلك اللحظات في اللاوعي وعندما أمسكت بالريشة كانت الحيوانات تصارع اللحظات الاخيرة ودائما تصارع الموت وهذا فعلا ما حاولت تجسيده من خلال الحيوانات التي تشبه في صراعها ما نعيشه في حياتنا اليومية.


هل قلقت في تلك الفترة من اتهامك بالتأثر باسلوب عمك عاصم أبو شقرة، وايضا محاولة الاستفادة من الشهرة الفنية التي حظي بها؟


انا اتهمت في هذه النقطة بالصميم وانا مهتم جدا في الاجابة على هذا السؤال .. اولاً: انا مؤمن بأن هناك خصوصية وطفرة جينية لكل انسان، اهتمامي المبكر في لوحاتي بنبتة الصبار لم يكن بهدف الحصول على الشهرة التي تركها عمي .. فعندما رسمت الصبار ؛ رسمته في البداية كالفنان بيكاسو الذي تأثر بفان جوخ ولكن هذا لا يعني التقليد ولا يعني الانتهازية فالتأثر بين الفنانين هي حالة طبيعية في مرحلة ما من مسيرة الفنان.
في البداية كان هذا السؤال يشكل مصدر ازعاج لي، تحديداً عندما يخبرني احدهم ان لوحاتي تشبه لوحات عمي؛ ما دفعني احيانا الى تمزيق اللوحات ، ولكن لاحقا عندما كبرت وادركت انني احمل ذات الجينات التي يمتلكها عمي، كحركة اليد وحتى ملامح الوجه، وهو ما يشبه الهبة الالهية فلماذا اغضب منها؟ لذلك اليوم انا متصالح ومحب وحتى معجب بالتشابة الخلقي بيني وبين عمي، انا لم اعاصره حيث كنت بعمر الثمن سنوات عندما توفي عمي بالتالي التقليد من أين يمكن أن ياتي؟


ما الذي اخذته من لوحة عمك وانت فخور فيه؟


قبل ذلك لا بد من التأكيد أننا في عالم فيه ملايين الفنانين وهناك تخاطر كبير نجده احيانا بين بعض الفنانين، وانا برأيي من المهم عدم تعقيد الامور وفلسفتها اكثر من اللازم ،وانا اؤمن ان روحك وكلامك وجوارحك هي مكنون لوحتك الفنية اذا اردت ان تسرد قصة من خلال عملك الفني، فيجب أن اعرف هذه القصة بعيداً عن النص، وهذا يحيلني الى القول بأنني لست بحاجة الى نص قوي الى جانب لوحاتي.


نود ان تحدثنا اكثر عن التقنيات والمدارس الفنية التي تنتقل بينها كالتعبيرية والتكعيبية .. والتجريدية هذا التنقل بين المدارس الفنية هل هو عن وعي ام دليل على ان كريم بمرحلة التجربة؟


الاحتمالان أعلاه واردان، انا عندما انتج برتروية انا اريد ايصال رسالة بأنني أتحدث عن انسان مشوه محطم، انسان مسلوب الحريات، غير قادر على الاندماج بين افراد مجتمعه فهذه المعاني عندما اريد ايصالها عبر البرترويه يجب ان اوصلها بالتقنية الصحيحة، وهذا يعني تقنية المدرسة التجريدية فهي الاقرب لي في ايصال هذه الفكرة.


ما هي العلاقة التي بربطك في المواد الخام اللونية وغيرها في لوحتك ؟


الالوان التي استخدمها عادة في لوحاتي هي الوان الزيت، في مرة من المرات زارني الباحث في الفن الفلسطيني جورج الاعمى وعندما راى اكوام انبولة الالوان، قرر ان يسميني بالمعصرة.
اشعر بأن الزيت يعطي للوحة الروح المطلوبة والجودة ويعطيها حقها من كافة النواحي، أما الاكرليك فاشعر احيانا انه لون ميت وليس اكثر من مجرد لون .. اما الزيت فاراه مليء بالحياة .

مساحة اللوحات التي يرسم عليها كريم متباينة احيانا كبيرة واحيانا صغيرة، ما هي لمعايير التي يعتمدها كريم في اختيار مقاس اللوحة؟


5*2 م هو حجم عملي مؤخراً واسميته زهرة نيسان، العامل الأول الذي اخذه بعين الاعتبار هو موضوع اللوحة ومعناها عندما انتجت لوحة نيسان وجدت انني اريد ان اعطيها حقها الذي يدور بذهني ومخيلتي، وبالتالي فكرة العمل هي التي تفرض علي مساحات اللوحات.


لماذا لوحاتك محكمة من حيث التكوين، ولا نرى كثيرا الفراغ الابيض فيها؟ هل السبب هو خوف الفنان من ترك العنصر في فراغ؟


أنا أرى بأن كريم لا بد أن يكون من خلال تعلمه العصامي للفن مختلف عن باقي الفنانين، هذا بالاضافة الى الخوف الذي أشعر به كباقي الفنانين من الفراغ ومدى ملائمة العنصر الموضوع في الفراغ وقدرته على ادارة الحوار، ايضا ارى ان الجرأة هي التي تدفعني نحو احكام لوحتي من الزاوية الى الزاوية.

عودة الى معرضك الأول في مدينة رام الله وتحديداً معرض “عودة الصبار” وتقيمك لهذا المعرض؟ حيث قمت برسم نبته الصبار بسياقات والوان مختلفة، عن أي مرحلة يعبر من مراحلك الفنية يعبر عودة الصبار؟


في البداية رسمت نبتة الصبار باسلوب يشبه اسلوب عمي عاصم، وعندما اتيحت لي فرصة اقامة معرض في رام الله كانت بالنسبة لي فرصة استثنائية لمحاولة خلق شيء جديد من نبتة الصبار، فمن خلال نبة الصبار التي رسمتها حاولت خلقها بشكل جديد من حيث الالوان الجديدة والسياقات المختلفة، حاولت اكساب نبتة الصبار معاني الصداقة والحب والوطنية وحاولت أن ادفعها لسرد قصة اخرى غير تلك التي ارتبطت بها بالقضية الفلسطينية.

DSC_9002_Fotor

Karim Abu Shakra working at the International Art Colony, summer 2018. Photography by Amir A. Abdi

ما ردود الافعال على معرض “عودة الصبار” وهل وصلت رسالته؟


ردود الافعال فاقت التوقعات التي تخيلت انني سأسمعها، واعتقد ان السبب هو الخروج عن المألوف حيث ان المطلوب من الفنان ليس ما ترسمه وانما كيف سترسمه بمعنى الاسلوب.

كيف تعمل على تكوين اسلوبك الخاص؟


أنا لا اهتم بالشكل في اللوحة، وانما ابحث عن الروح والرسالة، وماذا اشعر عندما اقف قبالتها، فالاسلوب هو عمليا ما يخرج من الفنان بطريقة انسيابية سلسلة بعيداً عن القصدية وبدون تخطيط، فالاسلوب هو شيء فطري لا يحتاج الى التعليم ولا الى التساؤلات.


كيف تعرف ان لوحتك انتهى العمل عليها؟


سؤال جدا صعب، هناك العديد من الاعمال تحديدا التجريدية وبعد توقيعي عليها ومضي عدة ايام على الانتهاء منها، اعاود العمل عليها واكثر نقطة صعبة ممكن أن يعيشها الفنان هي معرفة متى يجب ان يتوقف عن العمل على اللوحة .. وهذه العودة ليس بالضرورة أن تكون لصالح اللوحة.


لماذا لم تستخدم خامات اخرى في اعمالك الفنية غير الألوان، رغم حرصك على اتقان لغة الفن المعاصرة والاكثر حداثة بعيدا عن الفن الايقوني؟


لا أدري، ولكن من الممكن مشاهدتي بعد سنوات قادمة ادخل الى عوالم خامات ثانية، ولكن في الوقت الحالي ارى نفسي انني بحاجة للزيت حيث أنني لم احتاج حتى اللحظة الى الطباعة او النحت، لا اعرف ما هو السبب ولكن منذ بدايتي اشعر انني متصالح جدا مع هذا العالم عالم اللوحة والالوان، وارى انني اكثر تصالحا وصدقا مع هذا العالم.


كيف تضع اللون على اللوحة هل تستخدم البناء التدريجي للخروج باللون؟


انا عندي بلاتيه لدمج الالوان، ولكن اكثر الاوقات اقوم بمزج الالوان على اللوحة مباشرة للحصول على الدرجة اللونية التي احتاجها.


ما رأيك بالتقييم المالي للوحات والى أي حد ترى أن بيع اللوحات ممكن أن يعطي الفنان شهادة ضمنية بتفوققه؟


انا بالعادة ابتعد كليا عن تقييم الفنان من خلال حركة بيع أعماله، لانني اشعر ان السوق الفني ليس بريئا وهناك غايات غير مفهومة.
الفنان بالتاكيد سيكون سعيدا جدا بالانتاج عندما تقتنى لوحاته، ما يعطيه الدعم والوقود للاستمرار بالابداع لأشهر قادمة، اليوم كثير من الفنانين حتى اولئك الذين يبدأون مشوارهم، يعتقدون بضرورة تماشي لوحاتهم مع ما متطلبات السوق الفني والعمل وفق اهواء ورغبات السوق والمقتنين.


ما اريد قوله ان سعر اللوحة سينفق بعد حين، ولكن العمل الذي سيحمل اسمك لسنوات اذا انتجته بشكل غير صادق، في المستقبل سيسيء لك كفنان ولسيرتك الفنية؟
هل يوجد عمل فني معين ترفض بيعه؟


لا


هل انت حريص على ارشفة اعمالك الفنية

المباعة تحديدا؟


للاسف لا يوجد لدي أي حرص على ارشفة أعمالي، لانني لا اتعامل مع الاشياء بجدية تامة وانما اتعامل معها بمنتهى البساطة، فلا ارى نفسي بهذا المكان وبهذا الدور الذي يقوم فيه الفنان بارشفة كل اعماله الفنية وتوثيقها، وعمليا عندما يحصل الفنان على الشهرة المطلوبة، سيعود ذلك بالاهتمام بلوحاته وارشفتها بشكل تلقائي.


ما هو اكثر سؤالك يزعجك من الجمهور حول لوحاتك؟


اكثر سؤال يزعجني هو ان يطلب مني احدهم شرح أو تفسير اللوحة، واحيانا احاول الخروج من الموقف باعطاءه بعض الرموز واتركه لوحده قبالة اللوحة حتى يقوم بانتاج معناه الفني الخاص.


هل تساءلت يوما عن جدوى العمل الفني؟


أنا اجيب على هذا التساؤل بالية بسيطة جدا جدا، وهي عندما وهبني الله هذه الموهبة دونا عن كثير من البشر لا بد أن يكون هناك رسالة ومعنى يجب أن يصل بالطريقة الصحيحة، وهذه هي اجابتي البسيطة جدا جدا على السؤال اما اسئلة الجدوى والاهداف والرسالة لا توجد عندي.


ما هي مشاريعك الفنية للمرحلة القادمة؟


في موضوع صعب جدا ولا ارغب بذكره الان سأترك الإعلان عنه للأيام القادمة اعتقد ان الوقت مبكرا قليلا للحديث عن الموضوع، حاليا اركز على البورتريهات التي احاكي فيها الواقع ولكن من خلال بروتريهات الذاتية، ومن الممكن أن اتطرق في الاقامة الفنية الى نبتة الصبار بدون حدود ..

Copyright International Art Colony © 2016-2023. All Rights Reserved

A Project By InterKulti Association For The Promotion Of Intercultural Dialogue

Privacy Policy / Terms of Use / Contact Us